قال شمس الدين ابن القيم: أما تسميته منبت فثبت عن ابن مسعود أنه قال:
((الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع، والذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع)) وقد رواه ابن أبي الدنيا عنه مرفوعا في كتاب ذم الملاهي والموقوف أصح. وهذا أدل دليل على فقه الصحابة في أحوال القلوب وأدوائها وأدويتها وأنهم أطباء القلوب.
واعلم أن للغناء خواص فمنها أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره والعمل بما فيه، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب لما بينهما من التضاد، فالقرآن ينهي عن اتباع الهوى ويأمر بالعفة ومجانبة الشهوات وأسباب الغي، والغناء يأمر بضد ذلك ويحسنه ويهيج النفوس إلى شهوات الغي.
قال بعض العارفين: السماع يورث بعض النفاق في قوم والعناد في قوم والتكذيب في قوم والفجور في قوم، وأكثر ما يورث عشق الصور واستحسان الفواحش وإدمانه يثقل القرآن على القلب ويكرهه على السمع.
وسر المسألة أن الغناء قرآن الشيطان، فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب وهذا معنى النفاق. وأيضا فإن أساس النفاق أن يخالف الظاهر الباطن، وصاحب الغناء بين أمرين إما أن ينهتك فيكون فاجرا أو يظهر النسك فيكون منافقا، فإنه يظهر الرغبة في الله والدار الآخرة وقلبه يغلي بالشهوات ومحبة ما ينافي الدين من اللهو والآلات.
وأيضا فمن علامات النفاق قلة ذكر الله والكسل عند القيام إلى الصلاة ونقر الصلاة، وهذه صفة المفتونين بالغناء.
وأيضا المنافق يفسد من حيث يظن أنه يصلح كما أخبر الله عن المنافقين، وصاحب السماع يفسد قلبه وحاله من حيث أنه يصلحه. والمغني يدعو القلب إلى فتنة الشهوات.
والمنافق يدعوها إلى فتنة الشبهات.
قال الضحاك: الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده بلغني عن الثقات أن صوت المعازف واستماع الأغاني ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب على الماء انتهى كلامه مختصرا من الإغاثة.
وحديث عبد الله بن مسعود ليس من رواية اللؤلؤي. وقال المزي في الأطراف: لم يذكره أبو القاسم وهو في رواية أبي الحسن بن العبد وغيره انتهى.
قال الشوكاني: قد اختلف في الغناء مع آلة من آلات الملاهي وبدونها، فذهب الجمهور إلى التحريم، وذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر وجماعة من الصوفية