قال ابن القيم في الإغاثة: وتسمية الغناء بالصوت الأحمق والصوت الفاجر فهي تسمية الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. أخرج الترمذي من حديث ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر قال:
((خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن عوف إلى النخل فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجره ففاضت عيناه فقال عبد الرحمن أتبكي وأنت تنهى الناس؟ قال: إني لم أنه عن البكاء وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة)) الحديث قال الترمذي: حديث حسن.
فانظر إلى هذا النهي المؤكد تسمية الغناء صوتا أحمقا ولم يقتصر على ذلك حتى سماه مزامير الشيطان. وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على تسمية الغناء مزمور الشيطان.
قال ابن القيم رحمه الله: ومن مكائد عدو الله التي كاد بها هو قل نصيبه من العلم والعقل والدين وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين سماع المكاء والتصدية والغناء حتى كانت مزامير الشيطان أحب إليهم من آيات القرآن، وبلغ منهم أمله من الفسوق والعصيان ولم يزل أنصار الاسلام وطوائف الهدى يحذرون من هؤلاء واقتفاء سبيلهم والمشي على طريقتهم المخالفة لإجماع أئمة الدين كما ذكره الإمام أبو بكر الطرطوشي في خطبة كتابه تحريم السماع قال: أما مالك فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه وقال إذا اشترى جارية فوجدها مغنية فله أن يردها بالعيب وسئل عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء، فقال: إنما يفعله عندنا الفساق.
وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب، وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم، ولا نعلم خلافا بين أهل البصرة أيضا في المنع منه.
وأبو حنيفة أشد الأئمة قولا فيه ومذهبه فيه أغلظ المذاهب، قد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها المزمار والدف حتى الضرب بالقضيب وأنه معصية يوجب الفسق وترد به الشهادة، بل قالوا التلذذ به كفر. هذا لفظهم. قالوا: ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره.
وقال أبو يوسف في دار يسمع فيها صوت المعازف والملاهي أدخل فيها بغير إذنهم لأن النهي عن المنكر فرض فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض.
وأما الشافعي فقال في كتاب القضاء: إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل، وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب إليه حله، كالقاضي أبي الديب الطبري وابن الصباغ. قال الشيخ أبو إسحاق في التنبيه ولا تصح الإجازة على منفعة محرمة كالغناء والزمر وحمل الخمر ولم يذكر فيه خلافا.