بالصرف واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال، وكانت في سنة ثمان في زمن غزوة الفتح، ودخل عليه صلى الله عليه وسلم بهذه العمرة إلى مكة ليلا " وخرج منها ليلا " إلى الجعرانة فبات بها فلما أصبح وزالت الشمس خرج في بطن سرف حتى جامع الطريق، ومن ثم خفيت هذه العمرة على كثير من الناس. قاله القسطلاني (وعمرة مع حجته) في ذي الحجة هي الرابعة. والحديث أخرجه البخاري ومسلم من طريق هدبة ابن خالد. وأخرج أيضا البخاري من طريق أبي الوليد وساق متنه بالضبط والإتقان وأخرجه الترمذي.
فائدة ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر في السنة إلا مرة واحدة، ولم يعتمر في سنة مرتين. فإن قيل فبأي شئ يستحبون العمرة في السنة مرارا " خصوصا في رمضان ثم لم يثبتوا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشتغل في العبادات بما هو أهم من العمرة ولم يكن يمكنه الجمع بين تلك العبادات وبين العمرة فإنه لو اعتمر مرارا " لبادرت الأمة إلى ذلك وكان يشق عليها، وقد كان يترك النبي كثيرا " من العمل وهو يحب أن يعمله خشية المشقة عليهم. ولما دخل البيت خرج منه حزينا فقالت له عائشة في ذلك فقال إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي وهم أن ينزل يستسقي مع سقاة زمزم للحاج فخاف أن يغلب أهلها على سقايتهم بعده. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) رواه الشيخان من حديث أبي هريرة، ولفظ الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعا " ((تابعوا بين الحج والعمرة)) وفيه دليل على أن التفريق بين الحج والعمرة في التكرار وتنبيه على ذلك، إذ لو كانت العمرة بالحج لا تعقل في السنة إلا مرة لسوى بينهما ولم يفرقا. وقد ندب النبي إلى ذلك بلفظه فثبت الاستحباب من غير تقييد.
ولا شك أن الحديث فيه دليل على استحباب الاستكثار من الاعتمار خلافا " لقول من قال يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية وهذا القول لا يصح، والصحيح جواز الاستكثار من الاعتمار وخالف مالكا مطرف من أصحابه وابن المواز قال مطرف: لا بأس بالعمرة في السنة مرارا ". وقال ابن المواز أرجو أن لا يكون به بأس. وقد اعتمرت عائشة مرتين في شهر ولا أدري أن يمنع أحد من التقرب إلى الله بشئ من الطاعات ولا من الازدياد من الخير في موضع ولم يأت بالمنع منه نص. وهذا قول الجمهور. ويكفي في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعمر عائشة من التنعيم سوى عمرتها التي كانت أهلت بها وذلك في عام واحد، واعتمرت عائشة في سنة مرتين. فقيل للقاسم لم ينكر عليها أحد فقال: أعلى أم المؤمنين. وكان أنس إذا جمم رأسه خرج فاعتمر. وعن علي أنه كان يعتمر في السنة مرارا ". ذكره ابن القيم وأطال الكلام فيه.