(فأجاز) أي تجاوز عن المزدلفة إلى عرفات. قال النووي: معنى هذا أن قريشا " كانت في الجاهلية تقف بالمشعر الحرام وهو جبل في المزدلفة يقال له قزح، وقيل إن المشعر الحرام كل المزدلفة وكان سائر العرب يتجاوزون المزدلفة ويقفون بعرفات فظنت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم يقف في المشعر الحرام على عادتهم ولا يتجاوز، فتجاوزه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عرفات لأن الله تعالى أمره بذلك في قوله تعالى (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) أي سائر العرب غير قريش، وإنما كانت قريش تقف بالمزدلفة لأنها من الحرم وكانوا يقولون نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه (حتى أتى عرفة) مجاز، والمراد قارب عرفات لأنه فسره بقوله وجد القبة قد ضربت بنمرة فنزل بها وقد سبق أن نمرة ليست من عرفات وأن دخول عرفات قبل صلاتي الظهر والعصر جميعا " خلاف السنة، والقبة هي خيمة صغيرة (حتى إذا زاغت الشمس) أي مالت وزالت عن كبد السماء من جانب الشرق إلى جانب الغرب (أمر بالقصواء) لقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن قصواء أي مقطوعة الأذن أي بإحضارها (فرحلت) هو بتخفيف الحاء أي جعل عليها الرحل (بطن الوادي) هو وادي عرنة بضم العين وفتح الراء وبعدها نون، وليست عرنة من أرض عرفات عند الشافعي والعلماء كافة إلا مالكا " فقال هي من عرفات (فخطب الناس) فيه استحباب الخطبة للإمام بالحجيج يوم عرفة في هذا الموضع وهو سنة باتفاق جماهير العلماء وخالف فيها المالكية. ومذهب الشافعي أن في الحج أربع خطب مسنونة إحداها يوم السابع من ذي الحجة يخطب عند الكعبة بعد صلاة الظهر، والثانية هذه التي ببطن عرنة يوم عرفات، والثالثة يوم النحر، والرابعة يوم النفر الأول وهو اليوم الثاني من أيام التشريق. قال العلماء: وكل هذه الخطب أفراد، وبعد صلاة الظهر إلا التي يوم عرفات فإنها خطبتان وقبل الصلاة، ويعلمهم في كل خطبة من هذه ما يحتاجون إليه إلى الخطبة الأخرى (فقال إن دماءكم وأموالكم) أي تعرضها (عليكم حرام) أي ليس لبعضكم أن يتعرض لبعض فيريق دمه أو يسلب ماله (كحرمة يومكم هذا) يعني تعرض بعضكم دماء بعض وأمواله في غير هذه الأيام كحرمة التعرض لهما في يوم عرفة (في شهركم هذا) أي ذي الحجة (في بلدكم هذا) أي مكة أو الحرم المحترم. وفيه تأكيد حيث جمع بين حرمة الزمان واحترام المكان في تشبيه حرمة الأموال والأبدان.
(٢٦١)