أنه قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الورق صدقة، فأخذ المسلمون بعده في الذهب صدقة إما بخبر لم يبلغنا وإما قياسا. وقال ابن عبد البر: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الذهب شئ من جهة نقل الآحاد الثقات، وذكر هذا الحديث الذي أخرجه أبو داود وأخرجه الدارقطني. قال صاحب السبل: قلت لكن قوله تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) الآية منبه على أن في الذهب حقا لله. وأخرج البخاري وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقهما إلا جعلت له يوم القيامة صفائح وأحمي عليها " الحديث. فحقها هو زكاتها.
وفي الباب عدة أحاديث يشد بعضها بعضا سردها في الدر المنثور. ولا بد في نصاب الذهب والفضة من أن يكونا خالصين من الغش. وفي شرح الدميري على المنهاج أنه إذا كان الغش يماثل أجرة الضرب والتخليص فيتسامح به، وبه عمل الناس على الإخراج منها انتهى كلام صاحب السبل.
(قد عفوت عن الخيل والرقيق) أي تركت لكم أخذ زكاتها وتجاوزت عنه قال الخطابي:
إنما أسقط الزكاة عن الخيل والرقيق إذا كانت للركوب والخدمة، فأما ما كان للتجارة ففيه الزكاة في قيمتها. وقد اختلف الناس في وجوب الصدقة في الخيل. فذهب أكثر الفقهاء إلى أنه لا صدقة وقال حماد بن أبي سليمان: فيها صدقة. وقال أبو حنيفة: في الخيل الإناث والذكور التي يطلب منها نسلها في كل فرس دينار فإن شئت قومتها دراهم فجعلت في كل مائتي درهم خمسة دراهم وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أخذ من كل فرس دينارا. قلت:
وإنما هو شئ تطوعوا به لم يلزمهم عمر إياه. روى مالك عن الزهري عن سليمان بن يسار أن أهل الشام عرضوه على أبي عبيدة فأبى ثم كلموه فأبى ثم كتب إلى عمر رضي الله عنه في ذلك فكتب إليه ان أحبوا فخذها منهم وارددهم عليهم وارزقهم رقيقهم انتهى كلامه. وفي نيل الأوطار وتمسك أيضا بما روي عن عمر أنه أمر عامله بأخذ الصدقة من الخيل. وقد تقرر أن أفعال الصحابة وأقوالهم لا حجة فيها لا سيما بعد إقرار عمر بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر لم يأخذا الصدقة من الخيل كما في رواية أحمد عن عمر وجاءه ناس من أهل الشام فقالوا: إنا قد أصبنا أموالا خيلا ورقيقا نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور. قال: ما فعله