اعلم أن الجمهور قد استدلوا على عدم وجوب الوتر بأحاديث الباب وبحديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر على بعيره رواه الجماعة وهو ظاهر في عدم الوجوب لأنه الفريضة لا تصلى على الراحلة وروى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة وبما روى عبد الله بن محيريز أن رجلا من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلا بالشام يدعى أبا محمد يقول إن الوتر واجب قال فرحت إلى عبادة بن الصامت فأخبرته فقال عبادة كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة الحديث أخرجه أبو داود وأحمد وقد عقد الحافظ محمد بن نصر المروزي في كتابه قيام الليل بابا بلفظ باب الأخبار الدالة على أن الوتر سنة وليس بفرض وذكر فيها أحاديث وأثارا كثيرة من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه واستدل من قال بوجوب الوتر بحديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا رواه الشيخان وتعقب بأن صلاة الليل ليست بواجبة فكذا آخره وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليل كذا في فتح الباري قلت هذا الحديث إنما يدل على وجوب جعل آخر صلاة بالليل وترا على وجوب نفس الوتر والمطلوب هذا لاذا فالاستدلال به على وجوب الوتر غير صحيح وكذا الاستدلال بحديث جابر رضي الله عنه أوتروا قبل أن تصبحوا رواه الجماعة إلا البخاري ليس بصحيح فإنه إنما يدل على وجوب الإيتار قبل الإصباح لا على وجوب نفس الإيتار واستدلوا أيضا بحديث بريدة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا الحديث رواه أبو داود قال الحافظ في الفتح في سنده أبو المنيب وفيه ضعف وعلى تقدير قبوله فيحتاج من احتج به إلى أن يثبت أن لفظ حق بمعنى واجب في عرف الشارع وأن لفظ واجب بمعنى ما ثبت من طريق الآحاد انتهى واستدلوا أيضا بحديث إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم الوتر الحديث وقد تقدم في باب فضل الوتر وقد عرفت هناك الجواب عنه قال ابن قدامة في المغنى بعد ذكر أحاديث القائلين بوجوب الوتر ما لفظه وأحاديثهم قد تكلم فيها ثم إن المراد بها تأكيده وفضيلته وأنه سنة مؤكدة وذلك حق وزيادة الصلاة يجوز أن تكون سنة والتوعد على تركه للمبالغة في تأكيده كقوله من أكل هاتين الشجرتين فلا يقربن مسجدنا انتهى وقال الشوكاني في النيل بعد ذكر الأحاديث التي تدل بظاهرها على الوجوب والأحاديث
(٤٤٢)