والثاني أن قوله تعالى (وإذا قرئ القرآن) إنما ينفي القراءة خلف الإمام جهرا وبرفع الصوت فإنها تشغل عن استماع القرآن وأما القراءة خلفه في النفس وبالسر فلا ينفيها فإنها لا تشغل عن الاستماع فنحن نقرأ الفاتحة خلف الإمام عملا بأحاديث القراءة خلف الإمام في النفس وسرا ونستمع القرآن عملا بقوله (وإذا قرئ القرآن) ولاشتغال بأحدهما لا يفوت الآخر ألا ترى أن الفقهاء الحنفية يقولون إن استماع الخطبة يوم الجمعة واجب لقوله تعالى وإذا قرئ القرآن ومع هذا يقولون إذا خطب الخطيب يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فيصلي السامع سرا وفي النفس قال في الهداية إلا أن يقرأ الخطيب قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه الآية فيصلي السامع في نفسه انتهى وقال في الكفاية قوله فيصلي السامع في نفسه أي فيصلي بلسانه خفيا انتهى وقال العيني في رمز الحقائق لكن إذا قرأ الخطيب يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما يصلي السامع ويسلم في نفسه سرا إئتمارا للأمر انتهى وقال في البناية فإن قلت توجه عليه أمران أحدهما صلوا عليه وسلموا والأمر الآخر قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا قال مجاهد نزلت في الخطبة والاشتغال بأحدهما يفوت الآخر قلت إذا صلى في نفسه ونصت وسكت يكون آتيا بموجب الأمرين انتهى وقال الشيخ ابن الهمام في فتح القدير وعن أبي يوسف ينبغي أن يصلي في نفسه لأن ذلك مما لا يشغله عن سماع الخطبة فكان إحرازا للفضلين انتهى والثالث قال الرازي في تفسيره السؤال الثالث وهو المعتد أن نقول الفقهاء أجمعوا على أنه يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد فهب أن عموم قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا بوجب سكوت المأموم عند قراءة الإمام إلا أن قوله عليه السلام لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وقوله لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أخص من ذلك العموم وثبت أن تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لازم فوجب المصير إلى تخصيص هذه الآية بهذا الخبر وهذا السؤال حسن انتهى وفي تفسير النيسابوري وقد سلم كثير من الفقهاء عموم اللفظ إلا أنهم جوزوا تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد ههنا قوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب انتهى وقال صاحب غيث الغمام حاشية إمام الكلام ذكر ابن الحاجب في مختصر الأصول والعضد في شرحه أن تخصيص عام القرآن بالمتواتر جائز اتفاقا وأما بخبر الواحد فقال بجوازه
(٢٠٦)