في توحيد الله سبحانه فقال: أول عبادة الله معرفته وأصل معرفة الله عز وجل توحيده ونظام توحيده نفى التحديد عنه، لشهادة العقول أن كل محدود مخلوق وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بمخلوق والممتنع من الحدث هو القديم في الأزل فليس الله عبد من نعت ذاته ولا إياه وحد من اكتنهه ولا حقيقته أصاب من مثله ولا به صدق من نفاه ولا صمد صمده من أشار إليه بشئ من الحواس ولا إياه عنى من شبهه، ولا له تذلل من بعضه ولا إياه أراد من توهمه كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه وبالعقول تعتقد معرفته وبالفطرة تثبت حجته.
خلق الله تعالى الخلق حجابا بينه وبينهم، مباينته إياهم مفارقته انيتهم، و ابتداؤه لهم دليل على أن لا ابتداء له، لعجز كل مبتدأ منهم عن ابتداء مثله فأسماؤه تعال تعبير، وأفعاله سبحانه تفهيم، قد جهل الله تعالى من حده، وقد تعداه من اشتمله وقد أخطأه من اكتنهه، ومن قال كيف هو فقد شبهه، ومن قال فيه لم فقد علله، و من قال: متى فقد وقته، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال إلى م فقد نهاه، ومن قال:
حتى م فقد غياه، ومن غياه فقد جزأه ومن جزأه فقد ألحد فيه، لا يتغير الله تعالى بتغير المخلوقات ولا يتحدد بتحدد المحدود، واحد لا بتأويل عدد، ظاهر لا بتأويل المباشرة متجل لا باستهلال رؤية، باطن لا بمزايلة، مباين لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا عن عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بفكرة، مدبر لا بحركة، مريد لا بعزيمة، شاء لا بهمة، مدرك لا بحاسة، سميع لا بآلة، بصير لا بأداة، لا تصحبه الأوقات، ولا تضمنه الأماكن ولا تأخذه السنات ولا تحده الصفات ولا تفيده الأدوات.
سبق الأوقات كونه والعدم وجوده، والابتداء أزله، بخلقه الأشياء علم أن لا شبه له، وبمضادته بين الأشياء علم أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة والصرد بالحرور، مؤلف بين متباعداتها، ومفرق بين متدانياتها، بتفريقها دل على مفرقها، وبتأليفها على مؤلفها قال الله عز وجل: ﴿ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون﴾ (1) له معنى الربوبية إذ لا مربوب وحقيقة