وقدر فأحسن، وصور فأتقن، واحتج فأبلغ فأسبغ وأعطى فأجزل.
يا من سما في العز ففات خواطف الأبصار ودنى في اللطف فجاز هواجس الأفكار يا من تفرد بالملك فلا ند له في ملكوت سلطانه وتوحد بالكبرياء، فلا ضد له في جبروت شأنه يا من حارت في كبرياء هيبته دقايق لطائف الأوهام، وحسرت دون إدراك عظمته خطائف أبصار الأنام يا عالم خطرات قلوب العارفين، وشاهد لحظات أبصار الناظرين.
يا من عنت الوجوه لهيبته وخضعت الرقاب لجلالته ووجلت القلوب من خيفته وارتعدت الفرايص من فرقه، يا بدئ يا بديع يا قوي يا منيع يا علي يا رفيع، صل على من شرفت الصلاة بالصلاة عليه وانتقم لي ممن ظلمني واستخف بي وطرد الشيعة عن بابي وأذقه مرارة والهوان كما أذاقنيها واجعله طريد الأرجاس وشريد الأنجاس.
قال: أبو الصلت عبد السلم بن صالح الهروي: فما استتم مولاي دعاءه حتى وقعت الرجفة في المدينة وارتج البلد وارتفعت الزعقة والصيحة واستفحلت النعرة وثارت الغبرة وهاجت القاعة فلم أزائل مكاني إلى أن سلم مولاي عليه السلام فقال لي: يا أبا الصلت اصعد السطح فإنك سترى امرأة بغيه غثة رثه مهيجة الأشرار متسخة الأطمار يسميها أهل هذه الكورة سمانة لغباوتها وتهتكها وقد أسندت مكان الرمح إلى نحرها قصبا وقد شدت وقاية لها حمراء إلى طرفه مكان اللواء.
فهي تقود جيوش القاعة وتسوق عساكر الطغام إلى قصر المأمون ومنازل قواده فصعدت السطح فلم أر إلا نفوسا تزعزع بالعصي وهامات ترضخ بالأحجار ولقد رأيت المأمون متدرعا قد برز من قصر شاهجان متوجها للهرب فما شعرت إلا بشاجرد الحجام قد رمى من بعض أعالي السطوح بلبنة ثقيلة فضرب بها رأس المأمون فأسقطت بيضته بعد أن شقت جلد هامته.