" ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات " وفي المجالس والتحف " عن الحرمات " ويمكن أن تكون الشهوات المذكورة سابقا شاملة للمكروهات أيضا، وعلى الزهد وعدم الرغبة في الدنيا وما فيها من الأموال والأزواج والأولاد، وغيرها من ملاذها ومألوفاتها، وبينها بقوله " ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب " وفي بعض النسخ والكتابين " المصيبات " وفي النهج استهان بالمصيبات أي عدها سهلا هينا واستخف بها لان المصيبة حينئذ بفقد شئ من الأمور التي زهد عنها ولم يستقر في قلبه حبها وعلى ارتقاب الموت وكثرة تذكره، وبينها بقوله " ومن راقب الموت سارع إلى الخيرات " وفي الكتابين (1) " ومن ارتقب " وفي النهج " في الخيرات ".
ثم إن تخصيص الشوق إلى الجنة، والاشفاق من النار بترك المشتهيات والمحرمات مع أنهما يصيران سببين لفعل الطاعات أيضا إما لشدة الاهتمام بترك المحرمات وكون الصبر عليها أشق وأفضل كما سيأتي في الخبر، أو لان فعل الطاعات أيضا داخلة فيهما، فان المانع من الطاعات غالبا الاشتغال بالشهوات النفسانية، فالسلو عنها يستلزم فعلها، بل لا يبعد أن يكون الغرض الأصلي من الفقرة الأولى ذلك، بل يمكن إدخال فعل الواجبات في الفقرة الثانية، لان ترك كل واجب محرم، ويدخل ترك المكروهات وفعل المندوبات في الفقرة الأولى.
" واليقين على أربع شعب: تبصرة الفطنة " التبصرة مصدر باب التفعيل، والفطنة الحذق وجودة الفهم، وقال ابن ميثم: هي سرعة هجوم النفس على حقائق ما تورده الحواس عليها، وقال: تبصرة الفطنة إعمالها.
أقول: يمكن أن تكون الإضافة إلى الفاعل أي جعل الفطنة الانسان بصيرا أو إلى المفعول أي جعل الانسان الفطنة بصيرة، ويحتمل أن تكون التبصرة بمعنى الابصار والرؤية، فرؤيتها كناية عن التوجه والتأمل فيها وفي مقتضاها، فالإضافة إلى المفعول، وحمله على الإضافة إلى الفاعل محوج إلى تكلف في قوله " فمن أبصر