يقبل معه، وإن كان مغايرا له، فعلم أن المراد من الغير في الآية الكريمة غير ذلك.
وأيضا يرد عليه: أن هذا الدليل إنما يستقيم على مذهب من يقول: إن الطاعات جزء من الايمان، وذلك لأن الظاهر أن الدين المحمول عليه الاسلام هو دين القيمة في قوله تعالى " وذلك دين القيمة " (1) والمشار إليه بذلك ما تقدم من الاخلاص في الدين، مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
وثانيهما أن العبادات المعتبرة شرعا هي الدين، والدين هو الاسلام، والاسلام هو الايمان، أما الأولى فلقوله تعالى " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " (2) وأما الثانية فلقوله تعالى " إن الدين عند الله الاسلام " وأما الثالثة فلقوله تعالى " ومن يبتغ غير الاسلام دينا " الآية، وقد تقدم بيان ذلك، ويرد عليه جميع ما يرد على الوجه الأول، ويزيد عليه أن النتيجة كون العبادات هي الايمان والمدعى كون الاسلام هو الايمان أو عكسه، ولا ينطبق على المدعى. ولو سلم استلزامه للمدعى لاقتضاء المقدمة الثالثة ذلك، قلنا فبقية المقدمات مستدركة إذ يكفي أن يقال: الاسلام، هو الايمان لقوله تعالى " ومن يبتغ " الآية.
أقول: قد عرفت أن هذا الاستدلال بوجهيه إنما يستقيم على مذهب من يجعل الطاعات الايمان أو جزءا منه، فإن كان المستدل به هؤلاء، فذلك قد علم مع ما يرد عليه، وإن كان غيرهم فهو ساقط الدلالة أصلا ورأسا، ثم نقول على تقدير تسليم دلالة هذه الآيات على اتحادهما: إن الحكم بعموم الاسلام في الحكم على مذهب من يجعل الطاعات الايمان ظاهرا أن الآيات دلت على اتحادهما في الحقيقة عند الله تعالى، وعلى هذا من لم يأت بالطاعات أو بعضها فلا دين له، فلا إسلام، فلا إيمان له عند الله تعالى ولا في الظاهر، إذا لم يعرف منه ذلك.
وأما من اكتفى بالتصديق في تحقق حقيقة الايمان، وجعل الاتيان بالطاعات من المكملات، فيلزم عليه بمقتضى هذه الآيات أن يسلمه بأن يكون بين الاسلام