" والجنة حسرة أهل النار " في القيامة حيث لا تنفع الحسرة والندامة، وتلك علاوة لعذابهم العظيم " والنار موعظة للمتقين " في الدنيا، حيث ينفعهم فيتركون ما يوجبها ويأتون بما يوجب البعد عنها " والتقوى سنخ الايمان " أي أصله وأساسه في القاموس السنخ بالكسر الأصل.
" على أربع دعائم " الدعامة بالكسر عماد البيت، ودعائم الايمان ما يستقر عليه ويوجب ثباته واستمراره وقوته " على الصبر واليقين والعدل والجهاد " قال ابن ميثم (1) فاعلم أنه عليه السلام أراد الايمان الكامل، وذلك له أصل وله كمالات بها يتم أصله، فأصله هو التصديق بوجود الصانع، وماله من صفات الكمال ونعوت الجلال، وبما تنزلت به كتبه، وبلغته رسله، وكمالاته المتممة هي الأقوال المطابقة ومكارم الأخلاق والعبادات، ثم إن هذا الأصل ومتمماته هو كمال النفس الانسانية لأنها ذات قوتين علمية وعملية وكمالها بكمال هاتين القوتين فأصل الايمان هو كمال القوة العلمية منها ومتمماته وهي مكارم الأخلاق، والعبادات هي كمال القوة العملية.
إذا عرفت هذا فنقول: لما كانت أصول الفضائل الخلقية التي هي كمال الايمان أربعا: هي الحكمة، والعفة، والشجاعة، والعدل، أشار إليها واستعار لها لفظ الدعائم باعتبار أن الايمان الكامل لا يقوم في الوجود إلا بها، كدعائم البيت فعبر عن الحكمة باليقين، والحكمة منها علمية وهي استكمال القوة النظرية بتصور الأمور والتصديق بالحقائق النظرية والعلمية بقدر الطاقة ولا تسمى حكمة حتى يصير هذا الكمال حاصلا لها باليقين والبرهان، ومنها عملية وهي استكمال النفس بملكة العلم بوجوه الفضائل النفسانية الخلقية، وكيفية اكتسابها ووجوه الرذائل النفسانية وكيفية الاحتزاز عنها واجتنابها، وظاهر أن العلم الذي صار ملكة هو اليقين، وعبر عن العفة بالصبر، والعفة هي الامساك عن الشره في فنون الشهوات المحسوسة، وعدم الانقياد للشهوة، وقهرها وتصريفها بحسب الرأي