اجتماعهم على الايمان وكونهم فيه أمة واحدة (1) ولا محالة ان لهذا خلقهم ويطابق هذه الآية قوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).. وقال قوم في قوله تعالى ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ان معناه انه لو شاء أن يدخلهم أجمعين الجنة فيكونوا في وصول جميعهم إلى النعيم أمة واحدة وأجرى هذه الآية مجرى قوله تعالى (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) في أنه أراد هداها إلى طريق الجنة فعلى هذا التأويل أيضا يمكن ان ترجع لفظة ذلك إلى ادخالهم أجمعين إلى الجنة لأنه تعالى إنما خلقهم للمصير إليها والوصول إلى نعيمها.. فاما قوله ولا يزالون مختلفين فمعناه الاختلاف في الدين والذهاب عن الحق فيه بالهوى والشبهات.. وذكر أبو مسلم محمد بن بحر في قوله مختلفين وجها غريبا وهو أن يكون معناه أن خلف هؤلاء الكافرين يخلف سلفهم في الكفر لأنه سواء قولك خلف بعضهم بعضا وقولك اختلفوا وسواء قولك قتل بعضهم بعضا واقتتلوا.. ومنه قولهم لا أفعل كذا ما اختلف العصران والجديدان أي جاء كل واحد منهما بعد الآخر فاما الرحمة فليست رقة القلب كما ظنه السائل لكنه فعل النعم والاحسان يدل على ذلك ان من أحسن إلى غيره وأنعم عليه يوصف بأنه رحيم به وان لم تعلم منه رقة قلب عليه بل وصفهم بالرحمة من لا يعهدون منه رقة القلب أقوى من وصفهم الرقيق القلب بذلك لان مشقة النعمة والفضل والاحسان على من لارقة عنده أكثر منها على الرقيق القلب وقد علمنا أن من رق قلبه لو امتنع من الافضال والاحسان لم يوصف بالرحمة وإذا أنعم وصف بذلك فوجب أن يكون معناها ما ذكرناه على أنه لا يمتنع أن يكون معنى الرحمة في الأصل ما ذكرتم ثم انتقل بالتعارف إلى ما ذكرناه كنظائره وقد وصف الله القرآن بأنه هدى ورحمة من حيث كان نعمة ولا يتأتى في القرآن ما ظنوه وإنما وصفت رقة القلب بأنها رحمة لأنها مما
(٥٢)