منه زيادة بعد نقص فعدلوا إلى التعجب بأشد وما جرى مجراها وهذا الجواب ليس بسديد لأن الألوان قد تأتي فيها الزيادة بعد نقص وقد تدخل فيها المفاضلة ألا ترى ان ما حله قليل من أجزاء البياض يكون أنقص حالا في البياض مما حله الكثير من الأجزاء .. والجواب الأول الذي حكيناه عن الفراء أصوب وإن كان ما قدمناه عن البصريين هو المعتمد.. وقد أنشد بعضهم معترضا على ما ذكرناه قول الشاعر يا ليتني مثلك في البياض * أبيض من أخت بني اباض (1) .. وأنشدوا أيضا قول الشاعر أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم * لؤما وأبيضهم سربال طباخ فأما البيت الأول فان أبا العباس المبرد حمله على الشذوذ وقال إن الشاذ النادر لا يطعن في المعمول عليه والمتفق على صحته ويجوز أيضا أن يقال في البيت الثاني مثل ذلك وقد قيل في البيت الثاني ان أبيض فيه ليس هو للمفاضلة وإنما هو أفعل الذي مؤنثه فعلاء كقولهم أبيض وبيضاء ويجرى ذلك مجرى قولهم هو حسن القوم وجها وشريفهم خلقا فكان الشاعر قال ومبيضهم فلما أضافه انتصب ما بعده لتمام الاسم وهذا أحسن من حمله على الشذوذ.. ويمكن فيه وجه آخر وهو ان أبيض في البيت وإن كان في الظاهر عبارة عن اللون فهو في المعنى كناية عن اللؤم والبخل فحمل لفظ التعجب على المعنى دون اللفظ ولو أنه أراد بأبيضهم بياض الثوب ونقاءه على الحقيقة لما جاز أن يتعجب بلفظة أفعل والذي جوز تعجبه بهذه اللفظة ما ذكرناه.. فأما قول المتنبي أبعد بعدت بياضا لا بياض له * لأنت أسود في عيني من الظلم فقد قيل فيه ان قوله لأنت أسود في عيني كلام تام ثم قال من الظلم أي من جملة الظلم
(٦٣)