أحسنت ووصله ولم يصل الفرزدق فخرج الفرزدق وهو يقول وخير الشعر أكرمه رجالا * وشر الشعر ما قال العبيد ولا شبهة في أن أبيات الفرزدق مقدمة في الجزالة والرصانة على أبيات نصيب وإن كان نصيب قد أغرب وأبدع في قوله * ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب * الا ان أبيات نصيب وقعت موقعها ووردت في حال تليق بها وأبيات الفرزدق جاءت في غير وقتها على غير وجهها فلهذا قدمت أبيات نصيب والفرزدق مع تقدمه في الشعر وبلوغه فيه الذروة العلياء والغاية القصوى شريف الآباء كريم البيت له ولآبائه مآثر لا تدفع ولا تجحد والفرزدق لقب لقب به وليس باسمه وإنما لقب به لجهامة وجهه وغلظه لأن الفرزدقة هي القطعة الضخمة من العجين وقيل إنها الخبزة الغليظة التي تتخذ منها النساء الفتوت.. واسمه همام بن غالب وكنيته أبو فراس وقيل إنه كان يكنى في شبابه بأبي مكية (1) وهي أغرب كناه.. وكان شيعيا مائلا إلى بني هاشم ونزع في آخر عمره عما كان عليه من القذف والفسق وراجع طريقة الدين على أنه لم يكن في خلال فسقه منسلخا من الدين جملة ولا مهملا أمره أصلا.. ومما يشهد بذلك ما أخبرنا به علي بن محمد الكاتب عن أبي بكر محمد بن يحيي الصولي عن أبي حفص الغلاس عن عبد الله ابن سوار عن معاوية بن عبد الكريم عن أبيه قال دخلت على الفرزدق فجعلت أحادثه فسمعت صوت حديد يتقعقع فتأملت الامر فإذا هو مقيد الرجلين فسألت عن السبب
(٤٥)