شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٩ - الصفحة ٣٧٢
قيل: إذا ذل العالم، ذل بذله العالم، فإذا تكبر العالم وافتخر فليعلم أن خطر أهل العلم أكثر من خطر أهل الجهل وأن الله تعالى يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل من العالم، وأن العصيان مع العلم أفحش من العصيان مع الجهل، وأن عذاب العالم أشد من عذاب الجاهل، وأنه تعالى شبه العالم الغير العامل تارة بالحمار وتارة بالكلب، وأن الجاهل أقرب إلى السلامة من العالم لكثرة آفاته وأن الشياطين أكثرهم على العالم، وسوء العاقبة وحسنها أمر لا يعلمه إلا الله سبحانه، فلعل الجاهل يكون أحسن عاقبة من العالم، وأن العالم ينبغي أن يكون مستغرقا في شهود الحق لا يلاحظه غيره فضلا أن يتكبر ويفتخر عليه، وأن الكبرياء رداء الله ومختص به وأن المتكبر ممقوت عند الله تعالى ومعذب في الآخرة كما قال تعالى: (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) وأن الكلب والخنزير أحسن حالا من أهل جهنم فإذا علم هذه الأمور بعين اليقين وتأمل فيها تأملا صادقا أنيقا ونظر إليها نظرا دقيقا أمكن له التخلص من رذيلة الافتخار والنجاة من معصية الاستكبار.
السابع: العبادة والورع (1) والزهادة وهي أيضا فتنة عظيمة وعلاجها صعب، لكن من كان ذاته

١ - قوله: «السابع العبادة والورع» هذا أقوى ما يفيد النفس ويوجب سعادته بعد الفراق عن البدن ولو كان العلم فقط يوجب السعادة لكان أبو ذر ومقداد وأم أيمن أشقياء في الآخرة بل الذي ثبت لنا أن العلم الموجب للسعادة هو ما يوجب الورع والورع ما يوجب الإعراض عن الدنيا والإعراض عن الدنيا يوجب فراغ الخاطر حتى يلتفت النفس إلى جوهر ذاته وما أودع فيه إذ لا يمكن الالتفات إلى وجهين في حال واحدة، ويستحيل التوجه إلى جهتين في زمان واحد وإذا التفت إلى استعداد ذاتها وما أودعها الله فيها من قوة الكمال والترقي إلى معرفة ذي الجلال وسعى في الوصول إلى ما أعد له حصل له السعادة، والسعادة كل السعادة في الوصول إلى الله تعالى والرجوع إليه، كما أشار إليه في مواضع كثيرة من الكلام الإلهي مثل قوله: (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) وقوله: (إنا لله وانا إليه راجعون) و (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) وليس تحصيل إدراك ذلك سهلا فتفاوت مراتب الإنسان كتفاوت الجماد والنبات والحيوان، فرب إنسان تراه في صورة إنسانية وإنسانا آخر في صورته بعينها مع أن تفاوت الرتبة بينهما كالتفاوت بين جماد وحيوان وانسان كما أن الحيوان لا يعرف ما في نفس الإنسان من العلوم الكثيرة ولا يعلم أنه أقرب إلى الله تعالى منه كذا زيد لا يعرف رتبة عمرو وكونه أقرب إلى الله فمثله عنده كمثل جماد عند انسان، والكافر الملحد المادي لا يعرف ما عند أبي علي ابن سينا ونصير الدين الطوسي ولا يعلم أنهما أقرب إلى الله والآخرة وليس التقرب إلى الله بالزمان ولا بالمكان بل بالتشبه في الكمال كما قيل: تخلقوا بأخلاق الله تعالى، وكلما حصل في الإنسان من صفاته تعالى كالعلم والحلم والرحمة والبر ما هو أكمل بالرياضة والزهد كان القرب أشد، وروي عن عيسى بن مريم (عليه السلام) خطابا للحواريين: كونوا كاملين كما أن الله ربكم في السماء كامل. وبالجملة مع حب الدنيا والاستغراق في شهواتها ومهالكها لا يمكن الالتفات إلى باطن النفس وتحصيل التشبه بالخالق والتقرب إليه وتحصيل علم الآخرة، فالورع أقوى ما يفيد النفس البتة، وأما ما ذكره الشارح من عدم جواز الفخر بالعلم والورع وعدم الغرور بهما فلأن الفخر والغرور ينشئان من حب الدنيا والجاه والترأس وليس من الآخرة في شيء. بل التوسل بالعلم والتظاهر بالورع لحصول الجاه وتحصيل المال أشنع وأقبح من التوسل بالأسباب الدنيوية، إذ ليس فيه توهين للعلم والدين، فمثل من يكتسب بالغناء والملاهي مثل من يضع صندوقا تحت رجليه لتصل يده إلى الطعام في الرف، ومثل من يكتسب بالعلم والورع مثل من يجعل القرآن وكتب الحديث، نعوذ بالله من الضلالة. (ش).
(٣٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب الاستغناء عن الناس 3
2 باب صلة الرحم 6
3 باب البر بالوالدين 19
4 باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم 29
5 باب اجلال الكبير 31
6 باب إخوة المؤمنين بعضهم لبعض 33
7 باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الايمان وينقضه 38
8 باب في ان التواخي لم يقع على الدين وانما هو التعارف 39
9 باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه 40
10 باب التراحم والتعاطف 51
11 باب زيارة الاخوان 52
12 باب المصافحة 57
13 باب المعانقة 63
14 باب التقبيل 65
15 باب تذاكر الاخوان 67
16 باب ادخال السرور على المؤمنين 71
17 باب قضاء حاجة المؤمن 77
18 باب السعي في حاجة المؤمن 82
19 باب تفريج كرب المؤمن 87
20 باب اطعام المؤمن 89
21 باب من كسا مؤمنا 95
22 باب في إلطاف المؤمن وإكرامه 97
23 باب في خدمته 101
24 باب نصيحة المؤمن 101
25 باب الإصلاح بين الناس 103
26 باب في أحياء المؤمن 105
27 باب في الدعاء للأهل إلى الايمان 107
28 باب في ترك دعاء الناس 108
29 باب أن الله إنما يعطي الدين من يحبه 114
30 باب سلامة الدين 115
31 باب التقية 118
32 باب الكتمان 127
33 باب المؤمن وعلاماته وصفاته 137
34 باب في قلة المؤمن 184
35 باب الرضا بموهبة الايمان والصبر على كل شيء بعده 189
36 باب في سكون المؤمن إلى المؤمن 196
37 باب فيما يدفع الله بالمؤمن 197
38 باب في ان المؤمن صنفان 198
39 باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه فيما ابتلي به 201
40 باب شدة ابتلاء المؤمن 206
41 باب فضل فقراء المسلمين 221
42 باب 231
43 باب ان للقلب اذنين ينفث فيهما الملك والشيطان 233
44 باب الروح الذي أيد به المؤمن 239
45 باب الذنوب 241
46 باب استصغار الذنب 279
47 باب الإصرار على الذنب 281
48 باب في أصول الكفر وأركانه 283
49 باب الرياء 291
50 باب طلب الرئاسة 300
51 باب اختتال الدنيا بالدين 304
52 باب من وصف عدلا وعمل بغيره 305
53 باب المراء والخصومة ومعاداة الرجال 306
54 باب الغضب 310
55 باب الحسد 316
56 باب العصبية 321
57 باب الكبر 323
58 باب العجب 332
59 باب حب الدنيا والحرص عليها 337
60 باب الطمع 352
61 باب الخرق 353
62 باب سوء الخلق 354
63 باب السفه 356
64 باب البذاء 358
65 باب من يتقى شره 365
66 باب البغي 367
67 باب الفخر والكبر 369
68 باب القسوة 375
69 باب الظلم 379
70 باب اتباع الهوى 388
71 باب المكر والغدر والخديعة 393
72 باب الكذب 397
73 باب ذي اللسانين 409
74 باب الهجرة 411
75 باب قطعية الرحم 414
76 باب العقوق 418
77 باب الانتفاء 421
78 باب من آذى المسلمين واحتقرهم 421
79 فهرس الآيات 430