عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب.
3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن محبوب، عن داود الرقي قال:
سمعت أبا عبد الله يقول: اتقوا الله ولا يحسد بعضكم بعضا، إن عيسى بن مريم كان من شرائعه السيح في البلاد، فخرج في بعض سيحه ومعه رجل من أصحابه قصير وكان كثير اللزوم لعيسى (عليه السلام)، فلما انتهى عيسى إلى البحر قال: بسم الله، بصحة يقين منه فمشى على ظهر الماء فقال الرجل القصير حين نظر إلى عيسى (عليه السلام) جازه: بسم الله، بصحة يقين منه فمشى على الماء ولحق بعيسى (عليه السلام)، فدخله العجب بنفسه، فقال: هذا عيسى روح الله يمشي على الماء، وأنا أمشي على الماء فما فضله علي، قال: فرمس في الماء فاستغاث بعيسى فتناوله من الماء فأخرجه. ثم قال له: ما قلت يا قصير؟ قال: قلت: هذا روح الله يمشي على الماء وأنا أمشي على الماء فدخلني من ذلك عجب، فقال له عيسى: لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك الله فيه فمقتك الله على ما قلت فتب إلى الله عز وجل مما قلت، قال: فتاب الرجل وعاد إلى مرتبته التي وضعه الله فيها، فاتقوا الله ولا يحسدن بعضكم بعضا.
* الشرح:
قوله (اتقوا الله ولا يحسد بعضكم بعضا) لأن الحسد أعظم الأدواء وأعضلها، وأقبح المعاصي وأكبرها وسبب لخراب العالم وبطلان نظامه لتعلقه بأرباب الفضائل وأصحاب الشرف والأموال الذين يتم بوجودهم عمارة الأرض وكثيرا ما يسعى الحاسد إزالة المحسود عن مرتبته ويبتغى الحيلة في زوال نعمته بظلم أو سعاية إلى ظالم إلى غير ذلك من أسباب البغي ولذلك قال (صلى الله عليه وآله): «إذا حسدتم فلا تبغوا» قال ذلك لعلمه بأن الحسد يتعقبه البغي، والبغي شؤم يضر بالحاسد والمحسود والدين والدنيا جميعا. ألا ترى أن إبليس اللعين لما حسد آدم كفر واستحق عذاب الأبد وبطلت رفاهة عيش آدم، ودخلت البلية في ذريته، وأن أرباب الطغيان في صدر الإيمان لما حسدوا الإمام العالم العادل أزالوه عن مرتبته فبطل بذلك نظام الدنيا والدين وأحاطت البلية بالخلق أجمعين، وبالجملة كل بلية في العالم فهي من الحسد بواسطة أو بغيرها.
وقال بعض الأفاضل: إذا كان لظالم أو فاسق مال يصرفه في غير وجهه ويجعله آلة للظلم والفسق يجوز الحسد عليه وتمنى زوال ماله وهو في الحقيقة تمني زوال الظلم والفسق، ويصدقه أنه يزول ذلك التمني بتوبتهما، وقال بعضهم: كراهة نعمة أحد بالطبع بحيث لا يقدر دفعها عن نفسه ليست بحسد، لأن دفعها خارج عن التكليف ولكن يجب عليه أمران أحدهما عدم إظهارها بالقول