متقاربة من مواضع سكناهم باليمن إلى الشام ينظر بعضهم إلى بعض لغاية القرب وكمال الاتصال وأنهار جارية فيها وفيما بينهما وأموال ظاهرة لأبناء السبيل والمسافرين في كل ما يحتاجون إليه بلا تعب في تحصيله وحمله وكانوا يسيرون فيها ليالي وأياما آمنين من غير خوف، وأمروا بأن يأكلوا رزق ربهم ويشكروا له بإزاء تلك النعمة الجليلة فأعرضوا عن الشكر وكفروا أنعم الله عز وجل وغيروا ما بأنفسهم من العافية والخير وقالوا: ربنا باعد بين أسفارنا، طالبين أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز وبراري ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل وتزود الزاد، فغير الله ما بهم من نعمة فأرسل عليهم سيل العرم ففرق قراهم وخرب ديارهم وأذهب بأموالهم الصامت والناطق وأبدلهم جناتهم التي كانت عن يمين بلدهم وشماله وعن يمين مسكن كل رجل وشماله (جنتين ذواتي أكل خمط) وهو ثمرة بشع أو نوع من شجر أراك به حمل يؤكل، وذواتي أثل وهو نوع من الشجر شبيه بالطرفا لا ثمر له (وشئ من سدر قليل) وثمره وهو النبق يطيب أكله ولذا وصفه بالقلة، وتسمية البدل جنتين من باب المشاكلة أو التهكم، ثم قال جل شأنه: (ذلك) أي الذي فعلناه بهم وقضينا عليهم (بما كفروا) أي بسبب كفرانهم بتلك النعم الجليلة (وهل نجازي) بذلك الجزاء أو بمثل ما فعلنا بهم (إلا الكفور) أي المبالغ في الكفر، والاستفهام للتقرير.
والمفسرون نقلوا في العرم أقوالا الأول أنه السد الذي يحبس الماء وكان له ثلاثة أبواب بعضها فوق بعض فيسقون من الباب الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث بقدر الاحتياج. وأضاف السيل إلى العرم لأنه بخرابه جاء السيل. الثاني أنه اسم الوادي وأضاف السيل إليه لأنه جاء من قبله. الثالث أن العرم صفة السيل من العرام وهو الشدة أي سيلان لا يمنع منه. الرابع أنه الخلد وهو الجرذ الأعمى فنقب السكر من أسفله فسال منه فخرب جناتهم، والإضافة لأدنى ملابسة.
24 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن سماعة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما أنعم الله على عبد نعمة فسلبها إياه حتى يذنب ذنبا يستحق بذلك السلب.
25 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن ابن محبوب، عن الهيثم بن واقد الجزري قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله عز وجل بعث نبيا من أنبيائه إلى قومه وأوحى إليه أن قل لقومك: إنه ليس من أهل قرية ولا [أ] ناس كانوا على طاعتي فأصابهم فيها سراء فتحولوا عما احب إلى ما أكره إلا تحولت لهم عما يحبون إلى ما يكرهون، وليس من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على معصيتي فأصابهم فيها ضراء فتحولوا عما أكره إلى ما احب إلا تحولت لهم عما يكرهون إلى ما يحبون، وقل لهم: إن رحمتي سبقت غضبي فلا تقنطوا من رحمتي فإنه لا يتعاظم عندي ذنب أغفره وقل لهم: لا يتعرضوا معاندين لسخطي ولا