النبي (صلى الله عليه وآله) بتسعة (١) أيام، وذلك حين فرغ من جمع القرآن، فقال: الحمد لله الذي أعجز الأوهام أن تنال إلا وجوده، وحجب العقول عن أن تتخيل ذاته، في امتناعها من الشبه والشكل، بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته، ولم يتبعض بتجزئة العدد في كماله، فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن، وتمكن منها لا على الممازجة، وعلمها لا بأداة لا يكون العلم إلا بها، وليس بينه وبين معلومه علم غيره.
إن قيل: كان، فعلى تأويل أزلية الوجود، وإن قيل: لم يزل، فعلى تأويل نفي العدم، فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلها غيره علوا كبيرا.
نحمده بالحمد الذي ارتضاه لخلقه، وأوجب قبوله على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، شهادتان ترفعان وتضاعفان العمل، خف ميزان ترفعان منه، وثقل ميزان توضعان فيه، وبهما الفوز بالجنة، والنجاة من النار، والجواز على الصراط، وبالشهادتين تدخلون الجنة، وبالصلاة تنالون الرحمة، فأكثروا من الصلاة على نبيكم وآله: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ (2).
أيها الناس: إنه لا شرف أعلى من الاسلام، ولا كرم أعز من التقوى، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا كنز أنفع من العلم، ولا عز أرفع من الحلم، ولا حسب أبلغ من الأدب، ولا نسب أوضع من الغضب، ولا جمال أزين من العقل، ولا سوءة أسوأ من الكذب، ولا حافظ أحفظ من الصمت، ولا لباس أجمل من العافية، ولا غائب أقرب من الموت.
أيها الناس، إنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها، والليل والنهار مسرعان في هدم الأعمار، ولكل ذي رمق قوت، ولكل حبة آكل، وأنت قوت الموت،