النبي (صلى الله عليه وآله).
وجاء رجل باك وهو متسرع مسترجع، وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: رحمك الله أبا الحسن، كنت أول القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله عز وجل، وأعظمهم عناء، وأحوطهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله)، وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن الاسلام وعن رسوله وعن المسلمين خيرا.
قويت حين ضعف أصحابه، وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسوله إذ هم أصحابه، كنت خليفته حقا لم تنازع ولم تضرع برغم المنافقين وغيظ الكافرين وكره الحاسدين وضغن الفاسقين، فقمت بالامر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا (1)، ومضيت بنور الله إذ وقفوا، فاتبعوك فهدوا.
وكنت أخفضهم صوتا، وأعلاهم فوتا (2)، وأقلهم كلاما، وأصوبهم منطقا، وأكثرهم رأيا، وأشجعهم قلبا، وأشدهم يقينا، وأحسنهم عملا، وأعرفهم بالأمور.
كنت والله للدين يعسوبا، أولا حين تفرق الناس، وآخرا حين فشلوا، كنت للمؤمنين أبا رحيما إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ووعيت (3) ما أهملوا، وشمرت إذ اجتمعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ أسرعوا، وأدركت ما عنه (4) تخلفوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا.
كنت للكافرين عذابا صبا، وللمؤمنين غيثا وخصبا، فطرت والله بنعماها، وفزت بحبائها وأحرزت سوابقها، وذهبت بفضائلها، لم تفلل حجتك، ولم يزغ قلبك.