تكون موجدة للصور أترى ان الاقدام المتتابعة التي لا يثبت التالي منها الا بزوال المقدم منها يكون بعضها موجدا لبعض اخر كلا ثم كلا ضرورة ان الفعل يتوقف على وجود فاعله فلا يعقل توقف ثبوته على انعدام فاعله فلا تكون الصور المرتبة الا من قبيل المعدات ويكون الكل كاشفا عن فاعل موجد لها وصانع صنعها أتقن صنعة ومصور صورها أحسن تصوير.
والرابع ان طبيعة المنوية مثلا لو كانت موجدة للصورة العلقية مثلا لما جاز خلعها منها ابدا ولاستمر عليها إذ لا يعقل انتفاء وجود العلة من قبل وجود معلولها ضرورة ان العلة والمعلول متناسبان متلازمان فلا يعقل ان يوجب المعلول انتفاء علته وصيرورته علة لحدوث طبيعة منافرة له موجبة لانقلابه إلى طور آخر فاختلاف الصور والأطوار كاشف قطعي عن عدم علية صورة منع لصورة أخرى وان الكل إنما يكون من آثار تدبير المدبر الذي دبرها بمشيته.
والخامس انه لو كانت النطفة علة لارتقائها عن حضيض النقص إلى أوج الكمال تدريجا حتى صار حيا سويا وكان ذلك بالطبيعة الذاتية كما يزعمه الطبيعي لكان ابدا في العروج إلى الكمال حتى يصل إلى أعلى مرتبته ويثبت ويدوم عليها ولاستحال عليه الموت والعود إلى النقصان والضعف بالشيب وغيره فعوده إلى النكس والضعف بعد الصعود على أوج الكمال دليل على أن شروعها في الارتقاء من حضيض النقص إلى أوج الكمال إنما يكون بمشية خالقها تعالى شانه وان الطبايع المتجددة فيه طبايع مودعة أودعها فيه باريها تعالى شأنه حسب تدبيره ومشيته.
والسادس ان نفخ الروح فيه الذي هو خلق اخر أنشاه باريه تعالى شانه لا يرتبط بوجه من الوجوه بمبدء تكوينه فكيف يعقل استناده إلى النطفة القذرة المهينة. وهذه الوجوه كلها ضرورية تشهد بها كل فطرة سليمة غير سقيمة فتبا للطبيعي كيف يتوهم البراهين الساطعة مصادرة ولا يتدبر فيها حتى يتضح له الحق كمال الاتضاح فهل بيان أبين من بيان الباري تعالى شأنه نعوذ بالله تعالى من الغواية والعمى