في الحكمة ان يؤاخذهم الله تعالى من دون امهال قال تعالى شانه: (ولو أنزلنا ملكا لقضى الامر).
والسابع عشر انه كما لا يختص نفع الماء المنزل من السماء بمحل نزوله بل ينتفع به أيضا غير محل النزول من الأقطار التي يسيل الماء إليها فكذلك نزول كلمة الحق في مكة المعظمة والمدينة المنورة زادهما الله عظمة ونورا لا يختص نفعها باهاليهما بل ينتفع بها كل من بلغت إليه.
والثامن عشر انه كما لا ينافي احتمال الزبد الرابى على الماء المنزل من السماء بواسطة السيل وشدته الذي يذهب جفاء مع حكمة انزال الماء الذي نفعه عام ولا يزاحمها بوجه فكذلك ظهور كلمة الباطل من الأشقياء بواسطة خبث سريرتهم واستنكافهم عن متابعة أهل الحق عند قيامهم بحقهم وشدتهم في الامر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يكون مانعا عن حكمة قيام أهل الحق بحقهم وشدتهم في اجرائه فان مصلحة الشئ إذا كانت عامة توجب في الحكمة ايجاد ذيها ولا يخل بها عروض مثل هذه الأمور بل ظهور الزبد المستتر في سرائر الأشقياء من جهة اختيارهم الشقاء موافق للحكمة في حد نفسه حتى يتميزوا عن السعداء ويتم الحجة عليهم في يوم الجزاء فيعطى كل ذي حق حقه: (ففريق في الجنة وفريق في السعير).
والتاسع عشر انه كما قد يتفق ان محل نزول الماء لا ينتفع به أصلا أولا ينتفع به على وجه الكمال ويجرى الماء منه إلى المواضع المستعدة فتنتفع به على وجه الكمال فكذلك كلمة الحق قد لا ينتفع بها حاملها على وجه الكمال أو أصلا وينتفع بها من بلغت إليه من قبل الحامل ولذا أوصى النبي صلى الله عليه وآله بضبط كلماته الشريفة كما هي فقال صلى الله عليه وآله: " رحم الله امرء سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ".
والعشرون ان الماء المنزل من السماء مع لطافته في حد نفسه ونزوله من سحاب الرحمة كما يترتب عليه باختلاف المحل اثران مختلفان متضادان نظم: