الانسان بالصور المتطورة في قرار مكين وخلق الانشاء المتعلق بنفخ الروح في جسده بعد تمام تصويره من صنع الحق لا يقدر غيره عليه فتبارك الله أحسن الخالقين.
واما وجه دلالة الآية الكريمة على أن الانسان مدبر مصنوع وكل صورة منها يشهد بان لها خالقا منزها عنها ولم يكن وجوده بالطبيعة فمن وجوه:
الأول انه لو كان الانسان موجودا بالطبيعة لاستمر تكوينه من سلالة من طين ولم يتغير مبدئه إلى النطفة لان ما كان طبيعيا يدوم ولا يعقل فيه الزوال والتبدل إلى غيره فتغيير التقدير والجعل فيه كاشف قطعي عن وجود خالق مقدر للانسان خلقه أولا من سلالة من طين ثم قدر مبدء تكوينه من نطفة في قرار مكين.
والثاني ان الطبيعي ان أراد من أن تكون الانسان من النطفة بالطبيعة ان قبول النطفة للصور المختلفة التي تتطور بها إلى أن يكمل خلق الانسان طبيعي أي جرت عادة الطبيعة به فهذا المعنى في الجملة مسلم ولكن مجرد وجود المادة القابلة لا يكفي في إفاضة الصور أترى ان وجود التراب يكفي في صيرورته خزفا وآجرا وهكذا ومجرد وجود الخشب يكفي في تصوره بصورة السرير والشباك وهكذا ومجرد وجود الحبر يكفي في تحقق الكتابة ونقوشها البديعة وهكذا كلا ثم كلا فإفاضة الصور على المواد القابلة يدل دلالة واضحة قطعية على وجود مصور صورها بهذه الأطوار وان لها خالقا خلقها على هذه الصور البديعة وان أراد ان النطفة فيها مثلا قوتان قابلة وفاعلة فبطلانه اظهر لان كل مرتبة سابقة أدون واضعف وأمهن من المرتبة التالية ولا يعقل أن يكون الضعيف معطيا كمال نفسه فتبدل كل مرتبة منها من حضيض نقص إلى ذروة كمال دليل على أن كمالها من كامل مكمل لها ومدبر دبر أمرها حسب مشيته وارادته.
والثالث ان لبس كل صورة منها إنما هو بعد خلع أخرى فهذه الطبيعة الثابتة في النطفة بزعم الطبيعي تتبدل بتطور كل صورة إلى طبيعة أخرى فالصور والطبائع المتجددة من قبيل المعدات لا يثبت شئ منها الا بعد زوال الأخرى فلا يعقل ان