أقول مستمدا برب الأرباب وامنائه الأطياب عليهم صلوات الله الملك الوهاب الظاهر أن ضمير جعلناه راجع إلى مبدء خلق الانسان المدلول عليه في الجملة الأولى والمعنى هكذا ولقد خلقنا الانسان أولا وهو أبو البشر عليه السلام من سلالة من طين فكان مبدئه الطين في الخلق الأول ثم قدرنا مبدء خلقته من نطفة في قرار مكين فعدل تعالى شانه عن التعبير بالخلقة إلى التعبير بالجعل باعتبار ان المقصود منه التقدير والتعبير المناسب له هو الجعل لا الخلقة.
واما وجه التعبير كلمة ثم في الفقرة الأولى والأخيرة فواضح وإنما الشأن في وجه التعبير بها في الفقرة الثانية مع أنها في الظاهر مثل الفقرات التالية لها.
فأقول لعل وجه التعبير فيها بثم دون الفقرات التالية ان ترتب الفقرات التالية كل تالية منها على سابقتها واضح وكل صورة سابقة منها ينتظر منها تاليها لان كل مرتبة منها مستعدة للمرتبة التالية فناسب التعبير عن ترتبها بالفاء واما ترتب العلقة على النطفة فلا تكون كذلك لان النطفة بالنسبة إلى صورة العلقية وسائر الصور بمنزلة الهيولي التي لم تتصور بصورة نوعية وإنما لها صلاحية التصور بالصور فقط فلا تكون مستعدة للصور كاستعداد الصور التالية بعضها لبعض والحاصل ان مبدء ظهور نشوء الانسان إنما هو من العلقة واما في مرحلة النطفة فلا يظهر انه مبدء نشوء انسان ولعله من هذا الوجه جعل تعالى شانه مبدء الانسان العلقة في سورة اقرأ فقال عز من قائل (خلق الانسان من علق) فناسب التعبير حينئذ بثم لعدم انتظار صورة العلقية من النطفة كانتظار صورة المضغية من العلقة.
واما وجه التعبير بصيغة الجمع فيظهر بتقديم مقدمة وهي ان الخلقة على قسمين خلق انشاء وخلق تصوير وتركيب. والقسم الأول يختص بالباري تعالى شانه فإنه منشئ الأشياء لا من شئ والقسم الثاني يشترك فيه الخالق والمخلوق قال تعالى شأنه حكاية عن عيسى (ع): (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير) ولما اجتمع في خلق الانسان القسمان عبر تعالى شانه بالخالق بصيغة الجمع تنبيها على أن خلق تصوير