على وفق الحكمة ويكون التربية به أكمل وأتم من نزول الماء دفعة على الأرض بل ربما يكون في نزوله دفعة ضرر فكذلك أنزلت كلمات الحق من سماء الوحي تدريجا حتى يكون نفعها أكمل وأثبت في القلوب وهذا أيضا من أقوى وجوه الشباهة.
والعاشر انه كما يكون الماء المنزل من السماء أكمل نفعا وابرك من مياه الأنهار والعيون والقنوات التي استخرجها الخلق حيث لا ينتفع بها الا أصول الأشجار والنبات واما الماء المنزل من السماء فينتفع به من جميع الوجوه فيصفى به الهواء ويرفع به الغبار عن الأوراق وينتفع به أصول النبات كما ينتفع الرضيع باللبن من ثدي أمه فكذلك كلمة الحق بمنزلته لا بمنزلة ماء النهر والعين والقناة فهي نافعة للناس من جميع الوجوه ولا يمتص بوجه واحد فهو تنبيه على أن كلمة الحق المنزلة من السماء تحتوي على كمال الحكمة فهي من القرن إلى القدم نافعة فوجب على العاقل ان يتبعها ويعرض عما استخرجه الخلق بأنظارهم القاصرة.
والحادي عشر انه كما جاء الزبد من قبل السيل ولولاه لم يظهر زبد فكذلك ظهرت الدعاوى الباطلة بعد كلمة الحق ولولا طلوع كلمة الحق لم يعارض أهل الباطل مع أهل الحق إذ بعد بعث الأنبياء سلام الله عليهم لدعوة الخلق إلى الحق وأمرهم بعبادة الخالق تعالى شانه وتصديق الرسل والاعتراف بولاية أولي الأمر من قبله تعالى شانه وإطاعتهم ظهرت سائر الأشقياء من الناس فاستكبوا عن أن يتذللوا وينقادوا للحق فمنهم من ادعى الألوهية كنمرود وفرعون واضرابهما ومنهم من ادعى الرسالة كسجاح ومسيلمة وأمثالهما ومنهم من ادعى ولاية الامر والخلافة عن الرسول صلى الله عليه وآله من غير استحقاق كأبي بكر وعمر وعثمان واضرابهم.
وهكذا إلى آخر طبقات أهل الضلال وكما أن الزبد يذهب جفاء ولا يبقى فكذلك كلمة الباطل لا تدوم وتذهب هباء ولعله لذا صيغ كلامه تعالى شانه على وجه اللف والنشر المشوش تنبيها على أن الابتداء من كلمة الحق والعود إليها واما الباطل فيظهر في البين ويذهب وقد ورد ان للحق دولة وللباطل جولة.