حيوان بالماء بل حياة كل ما فيه الروح النباتي من الأشجار والنباتات به بل حياة الأرض التي هي جماد أيضا به قال عز من قائل (وأحيينا به بلدة ميتا) وكلمة الحق حياة للقلوب وإنما تحيى باستيلاء كلمة الحق عليها كما أنه تموت باستيلاء كلمة الباطل عليها وهذا من اظهر صفات كلمة الحق ويكفى في بلاغة التشبيه بل كمال بلاغته وجود هذه الصفة في الماء وكونها من اظهر صفاته.
وهذا هو الوجه الأول من الوجوه الموجبة لبلاغة المثال بلاغة تامة.
والثاني ان من صفات الماء التي يمتاز بها عن سائر الموجودات أيضا كونه موجبا للطهارة والنظافة من الأقذار والأدناس وهذا أيضا من اظهر صفات كلمة الحق الموجبة لكمال البلاغة فان استيلاء كلمة الحق على القلب يطهره من أرجاس الشبهات وأقذار العقائد الباطلة كما أن استيلاء كلمة الباطل عليه تدنسه بالأرجاس والأقذار.
والثالث ان الماء المنزل من السماء الذي ضرب به المثل لا يكون الا عذبا والماء العذب أكمل من ساير المياه في الاحياء والتطهير.
والرابع ان الماء المنزل من السماء يختص بكمال النفع والتركة من بين المياه العذبة كما لا يخفى فيؤكد بهما البلاغة ويشتد بهما الشباهة حتى يصح ان يقال كأنه هو.
والخامس ان الماء المنزل من السماء انزاله بمشية الحق تعالى شانه من جميع الوجوه انزالا وزمانا ومكانا ومقدارا ولا يكون للخلق دخل فيه بوجه واكد تعالى شأنه هذا الوجه باتيان الفعل بصيغة المعلوم فنسب انزاله إلى نفسه جلت آلائه وهذا أيضا من اظهر شباهات كلمة الحق به فان الدين أصوله وفروعه مما لا تناله يد الخلق فليس لهم تحليل حلال ولا تحريم حرام ولا ترخيص من عند أنفسهم كما أنه لا سبيل ولا حيلة لهم في انزال الماء من السماء.
وبهذا البيان تبين ان الآية الكريمة تدل على ابطال نصب الخلق خليفة لله تعالى