الحكم في مورد النص، وذلك غير جائز، أما أولا: فلأنه يقتضي تعليل حكم الله، وذلك محال على ما ثبت في الأصول، وأما ثانيا: فلأن الحكم في مورد النص معلوم ، واللغة مظنونة وربط المعلوم بالمظنون غير جائز، وأما جمهور الفقهاء فقد اتفقوا على أن حرمة ربا النقد غير مقصورة على هذه الأشياء الستة، بل هي ثابتة في غيرها، ثم من المعلوم أنه لا يمكن تعدية الحكم عن محل النص إلى غير محل النص إلا بتعليل الحكم الثابت في محل النص بعلة حاصلة في غير محل النص فلهذا المعنى اختلفوا في العلة على مذاهب.
فالقول الأول: وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه: أن العلة في حرمة الربا الطعم في الأشياء الأربعة واشتراط اتحاد الجنس، وفي الذهب والفضة النقدية.
والقول الثاني: قول أبي حنيفة رضي الله عنه: أن كل ما كان مقدرا ففيه الربا، والعلة في الدراهم والدنانير الوزن، وفي الأشياء الأربعة الكيل واتحاد الجنس.
والقول الثالث: قول مالك رضي الله عنه أن العلة هو القوت أو ما يصلح به القوت، وهو الملح.
والقول الرابع: وهو قول عبد الملك بن الماجشون: أن كل ما ينتفع به ففيه الربا، فهذا ضبط مذاهب الناس في حكم الربا، والكلام في تفاريع هذه المسائل لا يليق بالتفسير.
المسألة الرابعة: ذكروا في سبب تحريم الربا وجوها أحدها: الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض، لأن من يبيع الدرهم بالدرهمين نقدا أو نسيئة فيحصل له زيادة درهم من غير عوض، ومال الإنسان متعلق حاجته وله حرمة عظيمة، قال صلى الله عليه وسلم: " حرمة مال الإنسان كحرمة دمه " فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرما. فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون لبقاء رأس المال في يده مدة مديدة عوضا عن الدرهم الزائد، وذلك لأن رأس المال لو بقي في يده هذه المدة لكان يمكن المالك أن يتجر فيه ويستفيد بسبب تلك التجارة ربحا فلما تركه في يد المديون وانتفع به المديون لم يبعد أن يدفع إلى رب المال ذلك الدرهم الزائد عوضا عن انتفاعه بماله.
قلنا: إن هذا الانتفاع الذي ذكرتم أمر موهوم قد يحصل وقد لا يحصل، وأخذ الدرهم الزائد أمر متيقن، فتفويت المتيقن لأجل الأمر الموهوم لا ينفك عن نوع ضرر