الأول فكان يقول: لا ربا إلا في النسيئة، وكان يجوز بالنقد، فقال له أبو سعيد الخدري: شهدت ما لم تشهد، أو سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم تسمع ثم روي أنه رجع عنه قال محمد بن سيرين: كنا في بيت ومعنا عكرمة، فقال رجل: يا عكرمة ما تذكر ونحن في بيت فلان ومعنا ابن عباس، فقال: إنما كنت استحللت التصرف برأيي، ثم بلغني أنه صلى الله عليه وسلم حرمه، فاشهدوا أني حرمته وبرئت منه إلى الله، وحجة ابن عباس أن قوله * (وأحل الله البيع) * يتناول بيع الدرهم بالدرهمين نقدا، وقوله * (وحرم الربا) * لا يتناوله لأن الربا عبارة عن الزيادة، وليست كل زيادة محرمة، بل قوله * (وحرم الربا) * إنما يتناول العقد المخصوص الذي كان مسمى فيما بينهم بأنه ربا. وذلك هو ربا النسيئة، فكان قوله * (وحرم الربا) * مخصوصا بالنسيئة، فثبت أن قوله * (وأحل الله البيع) * يتناول ربا النقد، وقوله * (وحرم الربا) * لا يتناوله، فوجب أن يبقى على الحل، ولا يمكن أن يقال: إنما يحرمه بالحديث، لأنه يقتضي تخصيص ظاهر القرآن مخبر الواحد وأنه غير جائز، وهذا هو عرف ابن عباس وحقيقته راجعة إلى أن تخصيص القرآن بخبر الواحد هل يجوز أم لا؟
وأما جمهور المجتهدين فقد اتفقوا على تحريم الربا في القسمين، أما القسم الأول فبالقرآن، وأما ربا النقد فبالخبر، ثم إن الخبر دل على حرمة ربا النقد في الأشياء الستة، ثم اختلفوا فقال عامة الفقهاء: حرمة التفاضل غير مقصورة على هذه الستة، بل ثابتة في غيرها، وقال نفاة القياس: بل الحرمة مقصورة عليها وحجة هؤلاء من وجوه:
الحجة الأولى: أن الشارع خص من المكيلات والمطعومات والأقوات أشياء أربعة، فلو كان الحكم ثابتا في كل المكيلات أو في كل المطعومات لقال: لا تبيعوا المكيل بالمكيل متفاضلا، أو قال: لا تبيعوا المطعوم بالمطعوم متفاضلا، فإن هذا الكلام يكون أشد اختصارا، وأكثر فائدة، فلما لم يقل ذلك بل عد الأربعة، علمنا أن حكم الحرمة مقصور عليها فقط.
الحجة الثانية: أنا بينا في قوله تعالى: * (وأحل الله البيع) * يقتضي حل ربا النقد فأنتم أخرجتم ربا النقد من تحت هذا العموم بخبر الواحد في الأشياء الستة، ثم أثبتم الحرمة في غيرها بالقياس عليها، فكان هذا تخصيصا لعموم نص القرآن في الأشياء الستة بخبر الواحد، وفي غيرها بالقياس على الأشياء الستة، ثبت الحكم فيها بخبر الواحد، ومثل هذا القياس يكون أضعف بكثير من خبر الواحد، وخبر الواحد أضعف من ظاهر القرآن، فكان هذا ترجيحا للأضعف على الأقوى، وأنه غير جائز.
الحجة الثالثة: أن التعدية من محل النص إلى غير محل النص، لا تمكن إلا بواسطة تعليل