غير عوض هو تفسير الهبة وكذا قوله جعلت هذا الشئ لك وقوله هو لك لان اللام المضاف إلى من هو أهل للملك للتمليك فكان تمليك العين في الحال نمن غير عوض وهو معنى الهبة وكذا قوله أعطيتك لان العطية المضافة إلى العين في عرف الناس هو تمليكها للحال من غير عوض وهذا معنى الهبة وكذا يستعمل الاعطاء استعمال الهبة يقال أعطاك الله كذا ووهبك بمعنى والنحلة هي العطية يقال فلان نحل ولده نحلي أي أعطاه عطية والهبة بمعنى العطية وقوله أطعمتك هذا الطعام في معنى أعطيتك وقوله حملتك على هذه الدابة فإنه يحتمل الهبة ويحتمل العارية فإنه روى أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهما حمل رجلا على دابة ثم رآها تباع في السوق فأراد أن يشتريها فسال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم لا ترجع في صدقتك فاحتمل تمليك العين واحتمل تمليك المنافع فلا بد من النية للتعيين ولو قال منحتك هذا الشئ أو قال هذا الشئ لك منحة فهذا لا يخلو اما أن يكون ذلك الشئ مما يمكن الانتفاع به من غير استهلاك واما أن يكون مما لا يمكن الانتفاع به الا باستهلاكه فإن كان مما يمكن الانتفاع به من غير استهلاك كالدار والثوب الدابة والأرض بان قال هذه الدار لك منحة أو هذا الثوب أو هذه الدابة أو هذه الأرض فهو عارية لان المنحة في الأصل عبارة عن هبة المنفعة أو ماله حكم المنفعة وقد أضيف إلى ما يمكن الانتفاع به من غير استهلاكه من السكنى واللبس والركوب والزراعة لان منفعة الأرض زراعتها فكان هذا تمليك المنفعة من غير عوض وهو تفسير الا عارة وكذا إذا قال لأرض بيضاء هذه الأرض لك طعمة كان عارية لان عين الأرض مما لا يطعم وإنما يطعم ما يخرج منها فكان طعمة الأرض زراعتها فكان ذلك حينئذ إعارة ولصاحبها أن يأخذها إذا لم يكن فيها زرع وإن كان فيها زرع فالقياس أن يكون له ولاية القلع كالبناء والغرس وفي الاستحسان يترك إلى وقت الحصاد باجر المثل وسنذكر وجهيها في كتاب العارية ولو منحه شاة حلوبا أو ناقة حلوبا أو بقره حلوبا وقال هذه الشاة لك منحة أو هذه الناقة أو هذه البقرة كان عارية وجاز له الانتفاع بلبنها لان اللبن وإن كان عينا حقيقة فهو معدود من المنافع عرفا وعادة فأعطى له حكم المنفعة كأنه أباح له شرب اللبن فيجوز له الانتفاع بلبنها وكذلك لو منحه جديا أو عناقا كان له عارية لان الجدي بعرض أن يصير فحلا والعناق حلوبا وان عنى بالمنحة الهبة في هذه المواضع على فهو ما عنى لأنه نوى ما يحتمله لفظ وفيه تشديد على نفسه وإن كان مما لا يمكن الانتفاع به الا بالاستهلاك كالمأكول والمشروب والدراهم والدنانير بأن قال هذا الطعام لك منحة أو هذا اللبن أو هذه الدراهم والدنانير كان هبة لان المنحة المضافة إلى مالا يمكن الانتفاع به الا بالاستهلاك لا يمكن حملها على هبة المنفعة فيحمل على هبة العين وهي تمليكها وتمليك العين للحال من غير عوض هو تغييرا لهبة هذا إذا كان الايجاب مطلقا عن القرينة فأما إذا كان مقرونا بقرينة فالقرينة لا تخلو (اما) إن كان وقتا (واما) إن كان شرطا (واما) إن كان منفعة فإن كان وقتا بأن قال أعمرتك هذه الدار أو صرح فقال جعلت هذه الدار لك عمري أو قال جعلتها لك عمرك أو قال هي لك عمرك أو حياتك فإذا مت أنت فهي رد على أو قال جعلتها لك عمري أو حياتي فإذا مت أنا فهي رد على ورثتي فهذا كله هبة وهي للمعمر له في حياته ولو رثته بعد وفاته والتوقيت باطل والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها فان من أعمر شيئا فإنه لمن أعمره وروى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل أعمر عمري له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا يرجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعمر عمري حياته فيه له ولعقبه يرثها من يرثه بعده فدلت هذه النصوص على جواز الهبة وبطلان التوقيت لان قوله جعلت هذه الدار لك أو هي لك تمليك العين للحال مطلقا ثم قوله عمري توقيت التمليك وانه تغيير لمقتضى العقد وكذا تمليك الأعيان لا يحتمل التوقيت نصا كالبيع فكان التوقيت تصرفا مخالفا لمقتضى العقد والشرع فبطل وبقى العقد صحيحا وإن كانت القرينة شرطا نظر إلى الشرط المقرون فإن كان مما يمنع وقوع التصرف تمليكا للحال يمنع صحة الهبة والا فيبطل الشرط وتصح الهبة وعلى هذا يخرج ما إذا قال أرقبتك هذه الدار أو صرح فقال
(١١٦)