المال بالمال (أما) الذي يرجع إلى حال المضارب في عقد المضاربة فهو أن رأس المال قبل أن يشترى المضارب به شيئا أمانة في يده بمنزلة الوديعة لأنه قبضه بإذن المالك لا على وجه البدل والوثيقة فإذا اشترى به شيئا صار بمنزلة الوكيل بالشراء والبيع لأنه تصرف في مال الغير بأمره وهو معنى الوكيل فيكون شراؤه على العروف وهو أن يكون بمثل قيمته أو بما يتغابن الناس في مثله كالوكيل بالشراء وبيعه على الاختلاف المعروف في الوكيل بالبيع المطلق ولو اشترى شراء فاسدا يملك إذا قبض لا يكون مخالفا ويكون الشراء على المضاربة وكذا إذا باع شيئا من مال المضاربة بيعا فاسدا لا يصير مخالفا ولا يضمن لان المضاربة توكيل والوكيل بالشراء والبيع مطلقا يملك الصحيح والفاسد فلا يصير مخالفا فإذا ظهر في المال ربح صار شريكا فيه بقدر حصته من الربح لأنه ملك جزأ من المال المشروط بعمله والباقي لرب المال لأنه نماء ماله فإذا فسدت بوجه من الوجوه صار بمنزلة الأجير لرب المال فإذا خالف شرط رب المال صار بمنزلة الغاصب ويصير المال مضمونا عليه ويكون ربح المال كله بعد ما صار مضمونا عليه له لان الربح بالضمان لكنه لا يطيب له في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند أبي يوسف رحمه الله يطيب له وهو على اختلافهم في الغاصب والمودع إذا تصرفا في المغصوب والوديعة وربحا ولو أزاد رب المال أن يجعل المال مضمونا على المضارب فالحيلة في ذلك أن يقرض المال من المضارب ويشهد عليه ويسلمه إليه ثم يأخذ منه مضاربة بالنصف أو بالثلث ثم يدفعه إلى المستقرض فيستعين به في العمل حتى لو هلك في يده كان القرض عليه وإذ لم يهلك وربح يكون الربح بينهما على الشرط وحيلة أخرى أن يقرض رب المال جميع المال من المضارب الا درهما واحدا ويسلمه إليه ويشهد على ذلك ثم إنهما يشتركان في ذلك شركة عنان على أن يكون رأس مال المقرض درهما ورأس مال المستقرض جميع ما استقرض على أن يعملا جميعا وشرطا أن يكون الربح بينهما ثم بعد ذلك يعمل المستقرض خاصة في المال فان هلك المال في يده كان القرض على حاله ولو ربح كان الربح بينهما على الشرط (وأما) الذي يرجع إلى عمل المضارب مما له أن يعمله بالعقد وما ليس له أن يعمل به فجملة الكلام فيه أن المضاربة نوعان مطلقة ومقيدة فالمطلقة أن يدفع المال مضاربة من غير تعيين العمل والمكان والزمان وصفة العمل ومن يعامله والمقيدة أن يعين شيئا من ذلك وتصرف المضارب في كل واحد من النوعين ينقسم أربعة أقسام قسم منه للمضارب أن يعمله من غير الحاجة إلى التنصيص عليه ولا إلى قول اعمل برأيك فيه وقسم منه ما ليس له أن يعمل ولو قيل له اعمل فيه برأيك الا بالتنصيص عليه وقسم منه ماله أن يعمله إذا قيل له اعمل فيه برأيك وان لم ينص عليه وقسم منه ما ليس له أن يعمله رأسا وان نص عليه (وأما) القسم الذي للمضارب أن يعمله من غير التنصيص عليه ولا قول اعمل برأيك كالمضاربة المطلقة عن الشرط والقيد وهي ما إذا قال له خذ هذا المال واعمل به على أن ما رزق الله من ربح فهو بيننا على كذا أو قال خذ هذا المال مضاربة على كذا فله أن يشترى به ويبيع لأنه أمره بعمل هو سبب حصول الربح وهو الشراء والبيع وكذا المقصود من عقد المضاربة هو الربح والربح لا يحصل الا بالشراء والبيع الا أن شراءه يقع على المعروف وهو أن يكون بمثل قيمة المشترى أو بأقل من ذلك ما يتغابن الناس في مثله لأنه وكيل وشراء الوكيل يقع على المعروف فان اشترى بمالا يتغابن الناس في مثله كان مشتريا لنفسه لا على المضاربة بمنزلة الوكيل بالشراء (وأما) بيعه فعلى الاختلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه رضى الله تعالى عنهم في التوكيل بمطلق البيع أنه يملك البيع نقدا ونسيئة ولا بما لا يتغابن الناس في مثله وهي من مسائل كتاب الوكالة وله أن يشترى ما بدا له من سائر أنواع التجارات في سائر الأمكنة مع سائر الناس لا طلاق العقد وله أن يدفع المال بضاعة لان الابضاع من عادة التجار ولا المقصود من هذا العقد هو الربح والابضاع طريق إلى ذلك ولأنه يملك الاستئجار فالا بضاع أولى لان الاستئجار استعمال في المال بعض والابضاع استعمال فيه بغير عوض فكان أولى وله أن يودع لان الايداع من عادة التجار ومن ضرورات التجارة وله أن
(٨٧)