يستأجر من يعمل في المال لأنه من عادة التجار وضرورات التجارة أيضا لان الانسان قد لا يتمكن من جميع الاعمال بنفسه فيحتاج إلى الأجير وله أن يستأجر البيوت ليجعل المال فيها لأنه لا يقدر على حفظ المال الا به وله أن يستأجر السفن والدواب للحمل لان الحمل من مكان إلى مكان طريق يحصل الربح ولا يمكنه النقل بنفسه وله أن يوكل بالشراء والبيع لان التوكيل من عادة التجار ولأنه طريق الوصول إلى المقصود وهو الربح فكان بسبيل منه كالشريك ولان المضاربة أعم من الوكالة ويجوز أن يستفاد بالشئ ما هو دونه بخلاف الوكالة المفردة أن الوكيل لا يملك أن يوكل غيره بمطلق الوكالة الا إذا قيل له اعمل برأيك لان المقصود من ذلك ليس هو التجارة وحصول الربح بل ادخال المبيع في ملكه وكذا الوكالة الثانية مثل الأولى والشئ لا يستتبع مثله وكل ما للمضارب أن يعمل بنفسه فله أن يوكل فيه غيره وكل مالا يكون له أن يفعله بنفسه لا يجوز فيه وكالته على رب المال لأنه لما لم يملك أن يعمل بنفسه فبوكيله أولى وله أن يرهن بدين عليه في المضاربة من مال المضاربة وأن يرتهن بدين له منها على رجل لان الرهن بالدين والارتهان من باب الايفاء والاستيفاء وهو يملك ذلك فيملك الرهن والارتهان وليس له أن يرهن بعد نهى رب المال عن العمل ولا بعد موته لان المضاربة تبطل بالنهي والموت الا في تصرف ينضر به رأس المال والرهن ليس تصرفا ينضر به رأس المال فلا يملكه المضارب ولو باع شيئا وأخر الثمن جاز لان التأخير للثمن عادة التجار وأما على أصل أبي حنيفة عليه الرحمة فلان الوكيل بالبيع يملك تأخير الثمن فالمضارب أولى لان تصرفه أعم من تصرف الوكيل الا أن الوكيل بالبيع إذا أخر الثمن يضمن عندهما والمضارب لا يضمن لان المضارب يملك أن يستقبل ثم يبيع نسيئة فيملك التأخير ابتداء فلم يضمن فأما الوكيل فلا يملك الإقالة ثم البيع بالنسيئة فإذا أخر ضمن (وأما) عند أبي يوسف فإنما جاز تأخير المضارب دون الوكيل هذا المعنى أيضا وهو أن المضارب يملك أن يشترى السلعة أو يستقيل فيها ثم يبيعها نساء فيملك تأخير ثمنها والوكيل لا يملك ذلك وله أن يحتال بالثمن على رجل موسرا كان المحتال عليه أو معسر الان الحوالة من عادة التجار لان الوصول إلى الدين قد يكون أيسر من ذمة المحال عليه منه من ذمة المحيل بخلاف الوصي إذا احتال بمال اليتيم ان ذلك إن كان أصلح جاز وإلا فلا لان تصرف الوصي في مال اليتيم مبنى على النظر وتصرف المضارب مبنى على عادة التجار قال محمد وله أن يستأجر أرضا بيضاء ويشترى ببعض المال طعاما فيزرعه فيها وكذلك له أن يقلبها ليغرس فيها نخلا أو شجرا أو رطبا فذلك كله جائز والربح على ما شرطا لان الاستئجار من التجارة لأنه طريق حصول الربح وكذا هو من عادة التجار فيملكه المضارب وللمضارب أن لا يسافر بالمال لان المقصود من هذا العقد استنماء المال وهذا المقصود بالسفر أو فرو لأن العقد صدر مطلقا عن المكان فيجرى على اطلاقه ولان مأخذ الاسم دليل عليه لان المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض وهو السير قال الله تبارك وتعالى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ولأنه طلب الفضل وقد قال الله تعالى عز شأنه وابتغوا من فضل الله وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبي يوسف في رواية محمد عنه وفي رواية أصحاب الاملاء عنه ليس له أن يسافر وروى عنه انه فرق بين الذي يثبت في وطنه وبين الذي لا يثبت وبين ماله حمل ومؤنة وبين مالا حمل له ولا مؤنة في الشركة فالمضارب على ذلك وقد ذكرنا وجه كل واحد من ذلك في كتاب الشركة وقد قال أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله انه إذا دفع إليه المال بالكوفة وهما من أهليها فان أبا حنيفة قال ليس له أن يسافر بالمال ولو كان الدفع في مصر آخر غير الكوفة فللمضارب أن يخرج به حيث شاء وقد ذكرنا وجه الرواية المشهورة في كتاب الشركة (وأما) وجه رواية أبى يوسف عنه فهو ان المسافرة بالمال مخاطرة به فلا يجوز الا باذن رب المال نصا أو دلالة فإذا دفع المال إليه في بلدهما فلم يأذن له بالسفر نصا ولأدلة لم يكن له أن يسافر وإذا دفع إليه في غير بلدهما فقد وجد دلالة الاذن بالرجوع إلى الوطن لان العادة ان الانسان لا يأخذ المال مضاربة ويترك بلده فكان دفع المال في غير بلدهما رضا بالرجوع إلى الوطن فكان اذنا دلالة وله أن يأذن لعبيد المضاربة بالتجارة في ظاهر الرواية لان الاذن بالتجارة
(٨٨)