وخبر الصحيحين أنه (ص): رهن درعه عند يهودي يقال له: أبو الشحم على ثلاثين صاعا من شعير لأهله. والوثائق بالحقوق ثلاثة: شهادة ورهن وضمان، فالشهادة لخوف الجحد والآخران لخوف الافلاس. أركان الرهن وأركانه أربعة: مرهون ومرهون به وصيغة وعاقدان، وقد بدأ بذكر الركن الأول وهو المرهون فقال: (وكل ما جاز بيعه) من الأعيان (جاز رهنه) فلا يصح رهن دين ولو ممن هو عليه لأنه غير مقدور على تسليمه، ولا رهن منفعة كأن يرهن سكنى داره مدة لأن المنفعة تتلف فلا يحصل بها استيثاق، ولا رهن عين لا يصح بيعها كوقف ومكاتب وأم ولد. ويصح رهن المشاع من الشريك وغيره ويقبض بتسليم كله كما في البيع، فيكون بالتخلية في غير المنقول وبالنقل في المنقول، ولا يجوز نقله بغير إذن الشريك، فإن أبى الاذن فإن رضي المرتهن بكونه في يد الشريك جاز وناب عنه في القبض، وإن تنازعا نصب الحاكم عدلا يكون في يده لهما ويستثني من منطوق كلام المصنف صورتان لا يصح رهنهما ويصح بيعهما: الأولى المدبر رهنه باطل وإن جاز بيعه لما فيه من الغرر لأن السيد قد يموت فجأة فيبطل مقصود الرهن. الثانية: الأرض المزروعة يجوز بيعها ولا يجوز رهنها. ومن مفهومه صورة يصح رهنها ولا يصح بيعها الأمة التي لها ولد غير مميز لا يجوز إفراد أحدهما بالبيع، ويجوز بالرهن وعند الحاجة يباعان ويقوم المرهون منهما موصوفا بكونه حاضنا أو محضونا ثم يقوم مع الآخر، فالزائد على قيمته قيمة الآخر ويوزع الثمن عليهما بتلك النسبة، فإذا كانت قيمة المرهون مائة وقيمته مع الآخر مائة وخمسين فالنسبة بالاثلاث، فيتعلق حق المرتهن بثلثي الثمن. ثم شرع في الركن الثاني وهو المرهون به فقال: (في الديون) أي وشرط المرهون به كونه دينا، فلا يصح بالعين المضمونة كالمغصوبة والمستعارة، ولا بغير المضمونة كمال القراض والمودع لأنه تعالى ذكر الرهن في المداينة فلا يثبت في غيرها، ولأنها لا تستوفى من ثمن المرهون، وذلك مخالف لغرض الرهن عند البيع.
تنبيه: يؤخذ من ذلك مسألة كثرة الوقوع وهي أن الواقف يقف كتبا ويشرط أن لا يخرج منها كتاب من مكان يحبسها فيه إلا برهن، وذلك لا يصح كما صرح به الماوردي وإن أفتى القفال بخلافه وضعف بعضهم ما أفتى به القفال بأن الراهن أحد المستحقين، والراهن لا يكون مستحقا إذ المقصود بالرهن الوفاء من ثمن المرهون عند التلف، وهذا الموقوف لو تلف بغير تعد ولا تفريط لم يضمن وعلى إلغاء الشرط لا يجوز إخراجه برهن ولا بغيره فكأنه قال: لا يخرج مطلقا. نعم إن تعذر الانتفاع به في الحل الموقوف فيه ووثق بمن ينتفع به في غير ذلك المحل أن يرده إلى محله بعد قضاء حاجته جاز