آووا ونصروا، أولئك بعضهم أولياء بعض، والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) ثم نسخ ذلك ربنا عز وجل بالميراث بالرحم بقوله تبارك اسمه (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) وفسر المعروف بالوصية، وقال تعالى: للرجال نصيب مما ترك الولدان والأقربون، فذكر أن لهم نصيبا في هذه الآية، ولم يبين قدره، ثم بين قدر ما يستحقه كل وارث في ثلاثة مواضع من كتابه على ما نذكره في مواضعه إن شاء الله.
وإذا تقرر هذا فان الميت إذا مات أخرج من ماله كفنه وحنوطه ومؤنة تجهيزة من رأسماله مقدما على دينه ووصيته، موسرا كان أو معسرا، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم.
وقال الزهري: إن كان موسرا حسب ذلك من رأس المال، وإن كان معسرا احتسب من ثلثه. وقال خلاس بن عمرو: يحتسب من ثلثه بكل حال. دليلنا ما روى خباب في الحديث الذي ساقه المصنف ولم يسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلث ماله، وروى أن الرجل الذي قضى وهو محرم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: كفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما، ولم يعتبر الثلث، ولان الميراث إنما نقل إلى الورثة لاستغناء الميت عنه، وهذا غير ما استقر من كفنه ومؤنة تجهيزه، فقدم على الإرث ثم يقضى دينه إن كان عليه دين ثم تخرج وصاياه لقوله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وأجمعت الأمة على أن الدين مقدم على الوصية، وهل ينتقل ماله إلى ورثته قبل قضاء الدين؟ اختلف أصحابنا فيه فذهب أكثرهم إلى أنه ينتقل إليهم قبل قضاء الدين.
وقال أبو سعيد الإصطخري: لا ينتقل إليهم حتى يقضى الدين، هكذا ذكر الشيخان أبو حامد الأسفراييني وأبو إسحاق المروزي عن أبي سعيد من غير تفصيل، وأما بن الصباغ فحكى عنه: إن كان الدين لا يحيط بالتركة لم يمنع الدين من انتقال المال إلى الورثة الا بقدره، واحتج بأنه لو بيع شئ من ماله بعد موته لكانت العهدة على الميت دون الورثة، فدل على بقاء ملكه.