وأما كراهة النثر فقد عقد في منتقى الاخبار له بابا دعاه (باب حجة من كره النثار والانتهاب منه) وساق حديث زيد بن خالد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن النهبة والخلسة، رواه أحمد وأحاديث في معناه عن عبد الله بن يزيد الأنصاري وأنس بن مالك وعمران بن الحصين وحاصل ذلك أن النهى عن النهبي يقتضى النهى عن انتهاب النثار، وقد أورد الجويني والغزالي والقاضي حسين حديثا عن جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر في إملاك فأتى بأطباق فيها جوز ولوز فنثرت فقبضنا أيدينا فقال: ما لكم لا تأخذون، فقالوا: إنك نهيت عن النهبي فقال: إنما نهيتكم عن نهبي العساكر خذوا على اسم الله فتجاذبناه) ولو صح هذا الحديث لكان مخصصا لعموم النهى ولكنه لم يصح عند المحدثين حتى قال الحافظ ابن حجر: إنه لا يوجد ضعيفا فضلا عن صحيح والجويني وإن كان من أكابر العلماء فليس هو من علماء الحديث وكذلك الغزالي والقاضي حسين، وإنما هم من الفقهاء الذين لا يميزون بين الموضوع وغيره كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة واطلاع على مؤلفات هؤلاء.
قلت: قد روى هذا الحديث البيهقي من معاذ بإسناد ضعيف منقطع، ورواه الطبراني من حديث عائشة عن معاذ وفيه بشر بن إبراهيم المفلوح، قال ابن عدي هو عندي ممن يضع الحديث وساقه العقيلي من طريقه ثم قال: لا يثبت في الباب شئ وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، ورواه أيضا من حديث أنس وفى إسناده خالد بن إسماعيل.
قال ابن عدي: يضع الحديث، وقال غيره: كذاب، وقد روى ابن أبي شيبه في مصنفه عن الحسن والشعبي أنهما لا يريان به بأسا، وأخرج كراهيته عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وعكرمة، قال في البحر: والنثار بضم النون وكسرها ما ينثر في النكاح أو غيره وهو مباح، إذ ما نثره إلا إباحة له، وإنما يكره لمنافاته المروءة والوقار.
وقد قال الشافعي في نثر السكر واللوز والجوز لو ترك كان أحب إلى لأنه يؤخذ بحبسه ونهبه، ولا يتبين لي أنه حرام. وجملة ذلك أن نثر السكر واللوز