لأنه يقال: انتحل فلان مذهب كذا أي دان به، فكأنه تبارك وتعالى قال (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) أي تدينا.
(والثاني) أن المهر يشبه العطية لأنه يحصل للمرأة من اللذة في الاستمتاع ما يحصل للزوج وأكثر، لأنها أجلب شهوة، والزوج ينفرد ببذل المهر، فكأنها تأخذه بغير عوض.
(والثالث) أنه عطية من الله تعالى في شرعنا للنساء، لان في شرع من قبلنا كان المهر للأولياء، ولهذا قال تعالى في قصة شعيب (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) الآية.
إذا ثبت هذا: فالمستحب أن يسمى الصداق في العقد لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج أحدا من نسائه عليهن السلام ولا زوج أحدا من بناته عليهن السلام إلا بصداق سماه في العقد، وحديث المرأة التي جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد وهبت نفسي منك فصعد النبي صلى الله عليه وسلم بصره ثم صوبه ثم قال ما لي إلى النساء من حاجة، فقام رجل فقال زوجنيها يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: ما تصدقها، قال: إزاري، قال: إن أصدقنها إزارك جلست ولا إزار لك، التمس ولو خاتما من حديد، فالتمس ولم يجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمعك شئ من القرآن، قال نعم سورة كذا وسورة كذا، فقال صلى الله عليه وسلم زوجتكها بما معك من القرآن. ولأنه إذا زوجه بالمهر كان أقطع للخصومة، فإن عقد النكاح بغير صداق انعقد النكاح لقوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) والآية. فأثبت الطلاق من غير فرض، والطلاق لا يقع إلا في نكاح صحيح، وخير الرجل الذي تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا فلما حضرته الوفاة أعطاها عن صداقها سهمه بخيبر، ولان المقصود في النكاح أعيان الزوجين دون المهر، ولهذا يجب ذكر الزوجين في العقد، وإنما العوض فيه تبع بخلاف البيع، فإن المقصود فيه العوض، ولهذا لا يجب ذكر لبائع والمشترى في العقد إذا وقع من وكيليهما.