قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) وإن زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوجها أو ابنتها، فقال لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان بنكاح ولا تحرم بالزنا أمها ولا ابنتها ولا تحرم هي على ابنه ولا على أبيه للآية والخبر، ولأنه معنى لا تصير به المرأة فراشا فلم يتعلق به تحريم المصاهرة كالمباشرة بغير شهوة، وإن لاط بغلام لم تحرم عليه أمه وابنته للآية والخبر، وإن زنى بامرأة فأتت منه بابنة فقد قال الشافعي رحمه الله أكره أن يتزوجها، فان تزوجها لم أفسخ، فمن أصحابنا من قال: إنما كره خوفا من أن تكون منه، فعلى هذا إن علم قطعا أنها منه بأن أخبره النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه لم تحل له.
ومنهم من قال: إنما كره ليخرج من الخلاف، لان أبا حنيفة يحرمها، فعلى هذا لو تحقق أنها منه لم تحرم، وهو الصحيح، لأنها ولادة لا يتعلق بها ثبوت النسب فلم يتعلق بها التحريم، كالولادة لما دون ستة أشهر من وقت الزنا، واختلف أصحابنا في المنفية باللعان، فمنهم من قال: يجوز للملاعن نكاحها لأنها منفية عنه فهي كالبنت من الزنا، ومنهم من قال: لا يجوز للملاعن نكاحها لأنها غير منفية عنه قطعا، ولهذا لو أقر بها ثبت النسب.
(الشرح) حديث عائشة أخرجه البيهقي في السنن وضعفه وأخرجه ابن ماجة عن ابن عمر، قال العلقمي: قال الدميري: هذا يدل لمذهب الشافعي أن الزنا لا يثبت حرمة المصاهرة حتى يجوز للزاني أن ينكح أم المزني بها، وقد ورد في هذا المعنى أحاديث لكل واحد منها مدلوله عند المخالفين فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله) رواه أحمد وأبو داود، وقال في الفتح رجاله ثقات.
وعن عبد الله بن عمرو (أن رجلا من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها: أم مهزول كانت تسافح وتشترط له أن تنفق عليه فاستأذن