وسئل ابن عباس رضي الله عنه عن رجل زنى بامرأة وأراد ان يتزوجها فقال يجوز، أرأيت لو سرق رجل من كرم رجل ثم ابتاعه أكان يجوز؟
(فرع) فإن زنى بامرأة فأتته بابنة يمكن أن تكون منه بأن تأتى بها لستة أشهر من وقت الزنا فلا خلاف بين أهل العلم أنه لا يثبت نسبها من الزاني ولا يتوارثان، وأما نكاحه لها فقد قال الشافعي رضي الله عنه أكره له ان يتزوجها فإن تزوجها لم أفسخ، واختلف أصحابنا في العلة التي لأجلها كره الزاني ان يتزوج بها، فمنهم من قال إنما كره ذلك ليخرج من الخلاف، فإن من الناس من قال لا يجوز له نكاحها فهل هذا لو تحقق انها من مائه بأن اخبره النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه انها من مائه لم يحرم عليه نكاحها، لأن علة الكراهة حصول الاختلاف لا غير. ومنهم من قال إنما كره له ذلك بإمكان أن يكون من مائه لأنه لم يتحقق ذلك، فلو تحقق انها من مائه بأن اخبره النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه انها من مائه لم يجز له تزويجها، هذا مذهبنا وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة واحمد لا يجوز له تزويجها، واختلف أصحاب أبي حنيفة في علة تحريمها، فقال المتقدمون من أصحابه إنما حرم نكاحها لكونها ابنة من زنى بها لا انها ابنته من الزنا، وإنما الزنا عنده ثبت به تحريم المصاهرة على ما مضى.
فعلى هذا لا تحرم على آبائه ولا أبنائه.
وقال المتأخرون من أصحابه إنما حرم نكاحها لكونها مخلوقة من مائه، فعلى هذا تحرم على آبائه وأبنائه، وهذا أصح عندهم، دليلنا أنها منفية عنه قطعا بدليل انه لا يثبت بينهما التوارث ولا حكم في أحكام الولادة، فلم يحرم عليه نكاحها كالأجنبية وان أكره رجل امرأة على الزنا فأتت منه بابنة فحكمه حكم ما لو طاوعته على الزنا لأنه زنا في حقه.
(فرع) وان أتت امرأة بابنة فنفاها باللعان فإن كان قد دخل بالزوجة لم يجز له التزوج بابنتها لأنها بنت امرأة دخل بها، وان لم يدخل بالأم فهل يجوز له نكاح الابنة؟ فيه وجهان (أحدهما) يجوز له تزويجها لأنها منفية عنه فهي كالابنة من الزنا.