قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) والكفاءة في الدين والنسب والحرية والصنعة، فأما الدين فهو معتبر، فالفاسق ليس بكفء للعفيفة، لما روى أبو حاتم المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض، وأما النسب فهو معتبر فالأعجمي ليس بكفء للعربية، لما روى عن سلمان رضي الله عنه أنه قال (لا نؤمكم في صلاتكم، ولا ننكح نساءكم) وغير القرشي ليس بكفء للقرشية لقوله صلى الله عليه وسلم (قدموا قريشا ولا تتقدموها) وهل تكون قريش كلها أكفاء؟ فيه وجهان.
(أحدهما) أن الجميع أكفاء، كما أن الجميع في الخلافة أكفاء (والثاني) أنهم يتفاضلون، فعلى هذا غير الهاشمي والمطلبي ليس بكفء للهاشمية والمطلبية، لما روى واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله اصطفى كنانة من بنى إسماعيل واصطفى من كنانه قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) وأما بنو هاشم وبنو المطلب فهم أكفاء، لان النبي صلى الله عليه وسلم سوى بينهم في الخمس، وقال (إن بني هاشم وبنى عبد المطلب شئ واحد) وأما الحرية فهي معتبرة، فالعبد ليس بكفء للحرة، لقوله تعالى (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ، ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا، هل يستوون؟ ولان الحرة يلحقها العار بكونها تحت عبد. وأما الصنعة فهي معتبرة فالحائك ليس بكفء للبزاز، والحجام ليس بكفء للخراز، لان الحياكة والحجامة يستر ذل أصحابها.
واختلف أصحابنا في اليسار فمنهم من قال يعتبر، فالفقير ليس بكفء للموسرة لما روى سمرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسب المال والكرم التقوى) ولان نفقة الفقير دون نفقة الموسر، ومنهم من قال لا يعتبر لان المال يروح ويغدو ولا يفتخر به ذوو المروءات. ولهذا قال الشاعر غنينا زمانا بالتصعلك والغنى * وكلا سقاناه بكأسيهما الدهر فما زادنا بغيا على ذي قرابة * غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر