فاستحسن منه ذلك، فقال: أيفخم رسول الله (ص) عمه وأرخص في الاستخفاف به! لقد خالف رسول الله (ص) من فعل ذلك ورضي به (1).
فكيف بنا نوفق بين غيرة الخليفة على الدين، وشدة محافظته على احترام عم النبي (ص) - لأنه رأى النبي (ص) يعظمه ويفخمه - التي جعلته يحكم بأن الفاعل للاستخفاف، والراضي به، مخالف للرسول (ص).. وبين ما نراه يفعل بالوضوء؟!
فكيف بمن خالف أمرا دأب عليه رسول الله (ص) ثلاثا وعشرين سنة من عمره الشريف، وأكد عليه مرارا وتكرارا، وبلغ عن ربه أنه نصف الأيمان، وأن الصلاة موقوفة عليه؟ مع ضخامة المخالفة، فالخليفة الثالث لم يتخذ أي إجراء حاسم ضد من توضأ بخلاف ما هو عليه، على الرغم من أن هذه المعارضة الوضوئية كانت حديثا شائعا قد اندلعت ضده، لقوله (إن ناسا يتحدثون... (2)!
نعم، أنه لم يتخذ نفس الموقف الذي اتخذه الخليفة الأول في تحشيد المسلمين ضد مانعي الزكاة، ثم مقاتلتهم بلا هوادة، حتى نسبوا إلى الارتداد والخروج عن الدين.. فعادوا صاغرين لأداء الزكاة - رغبة أو رهبة - وتسليمها للخليفة الأول، وذلك بعد أن أفهم أبو بكر المسلمين رأيه في ذلك، وقف الكثير منهم إلى جانبه، على الرغم ما لبعضهم ك [مالك بن نويرة] من إذن من النبي (ص) في أخذ الزكاة والصدقات وتوزيعها على محتاجي قومه ومعوزيهم.
وإذا توغلنا في التاريخ بعين فاحصة فسنجد حتى خاصة عثمان ومؤيديه في حكومته، كزيد بن ثابت، لم يتجرؤوا أن ينقلوا وضوءات تشبه وضوء خليفتهم!