مصباح الأنس بين المعقول والمشهود - محمد بن حمزة الفناري - الصفحة ١٥
وأقول: قد علم من توقف تعين الروح الإنساني على تحصيل المزاج الطبيعي وظهور كمالاته عليه، جهة تقديمه في الحديث على علم الأديان.
- اسما من اسمى فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته. في الطبراني والبيهقي ومسلم: عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ان الرحم معلقة بالعرش وليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها، وفي البخاري دون قوله: الرحم معلقة بالعرش.
اعلم أن الرحمة منفس الوجود لأنها وسعت كل شئ وما كان شئ وسع كل شئ الا الوجود، فإنه من سعته يشمل كل شئ حتى تقبضه الذي هو العدم، فان العدم من حيث ماهيته في التعقل والحكم عليه بأنه نقيض الوجود له ضرب ما من الوجود وإذا كانت الرحمة اسما للوجود فالرحمن اسم للحق تعالى من حيث كونه وجودا محضا منبث بنوره على الممكنات الموجودة كما قال الله تعالى: الله نور السماوات والأرض - الآية، والموجودات تنقسم إلى ظاهر وباطن وغيب وشهادة، والأجسام صور ظاهر الوجود وشهادته والأرواح تعينات باطنه وغيبه، وأول ظهور الطبيعة في تمام عالم الأجسام المحسوسة بالعرش المحيط والجسم البسيط، وبعبارة واضحة الحمل ان أول مولود ونتيجة يظهر من النكاح الثالث الطبيعي الكوني، أي من توجه الأرواح العالية من حيث مظاهرها المتعينة في عالم المثال، فحينئذ به المعقولية الجسم الكل هو العرش المجيد، وللأرواح والمثال درجة الذكورة وللطبيعة فينا درجة الأنوثة، والمعقولية لجسم الكل مرتبة المحلية وللصورة العرشية درجة المولود والعرش مقام انقسام الموجودات إلى ظاهر محسوس وباطن غير محسوس، فبالطبيعة تنقسم وتنشعب الموجودات إلى القسمين المذكورين، فالرحم شعبة وشجنة من الرحمن، وأيضا لما كانت الطبيعة من حيث أول ولدها الذي هو العرش المجيد المحيط بجميع الصور والأجسام المحسوسة المظهر، لأن هذه العامة الايجادية في الافعال العادية من حيث اخر، ولدها الذي هو النوع الإنساني الذي كان هذا، فالجميع القوى الطبيعية والاحكام الأسمائية الوجودية والتوجهات الملكية والآثار الفلكية محلا للمصانع حسب درجات الامتدادية المتعينة بالأمزجة مظهرا تاما للرحمن ومحل استواه لما قال الله تعالى: الرحمن على العرش استوى، قال صلى الله عليه وآله: خلق آدم على صورة الرحمن وفي رواية آخر: انه مشتبكة بالرحمن، وظهر لك مما ذكرنا أيضا وجه كون الرحم معلقة بالعرش، حيث إن جميع الأجسام الموجودة عند المحققين طبيعية والعرش أولها، فافهم واغتنم.
قال الشيخ في الفكوك بعد ذكر ان الرحمة التي وسعت كل شئ هي الوجود وان الاسم الرحمن اسم للحق من كونه وجودا منبسطا نوره على الممكنات الموجودة، فاعلم أن لهذا الوجود من حيث مبدأ انبساطه وتعينه من غيب هوية الحق تعالى مراتب كلية في التعين والظهور أولها عالم المعاني ثم عالم الأرواح التي نسبتها إلى الظهور أتم من نسبة عالم المعاني، ثم عالم المثال المجسد للأرواح والمعانى بمعنى انه لا يظهر ولا يتعين فيه الا مجسدا ثم عالم الحس الذي أول صورة العرش المجيد المحيط لجميع الأجسام المحسوسة المحدد للجهات وبه انتهى أي استوى السير المعنوي الوجودي الصادر من غيب الهوية في مراتبه الكلية للظهور الذي غايته عالم الحس، لان تعينات الوجود وتنوعات ظهوره بعد العرش انما هو تفصيل وتركيب، فوضح ان في العرش وبه تمت درجات الظهور كما بينا، لهذا أضيف الاستواء إلى الاسم الرحمن دون غيره من الأسماء، لما مر من أن الرحمن صورة الرحمة التي وسعت كل شئ وانتهت ظهوراته الكلية في العرش، انتهى.
اما كون الرحم آخذة بحقو الرحمن فهو من أجل ان الرحمن الذي هو عبارة عن التجليات الوجودي شامل لعالم المعاني والأرواح والأجسام وعالم الأرواح متقدم في الوجود والمرتبة على عالم الأجسام، بل له درجة العلية والسببية بالنسبة إلى الرحم فله العلو وهو على النصف الأول من صورة الحضرة الإلهية، والرحم معلقة -