يرمي إلى الناحية الأدبية اللغوية فحسب بعيدا عن الرؤى العقائدية، وهناك الاتجاه الصامت المنغلق الذي يرى عدم تناول تلك الحقبة بالبحث والدراسة مطلقا، بل وصل الأمر إلى حد التحذير من محاولة فحص وقائعها وأحداثها بحجة أن ذلك قد يقود إلى إساءة الظن ببعض الشخصيات والتجمعات البارزة التي تنتمي إليها، وهناك الاتجاه الممالئ المتملق الذي دأب على مجرد المدح والإطراء، ولم يدخر وسعا في قلب الأمور رأسا على عقب وبتر الحقائق من أجل تصويب وقائع تلك الحقبة ومواقف أصحابها على نحو يصعب تصديقه أو التسليم به بالنسبة للقارئ العادي... إلى غير ذلك من الأساليب والاتجاهات التي كانت غالبا ما تقصر عن الوفاء بأمانة البحث العلمي المحض الذي يؤدي في النهاية إلى توعية القارئ بطبيعة تلك الحقبة، وتوضيح الرؤية حولها، والخلوص بتقييم موضوعي لها، وتحديد علاقتها - ولو إجمالا - بالواقع الحالي.
إن تناول تلك الحقبة بالبحث والدراسة يقودنا - لا محالة - إلى طرح التساؤل الآتي: هل كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يفكر جديا بمستقبل الأمة من بعده، وما الإجراءات التي اتخذها في هذه السبيل؟
إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يمثل القلب النابض والعقل المفكر لتلك الدولة الناهضة، فهل أعد منهجا واضحا لتشكيل القيادة من بعده، بحيث يكفل ذلك الاستمرارية والاستقرار على النحو الذي ينشده للمسيرة التي بدأها؟
وعلى فرض وجود منهج واضح حول القيادة قد حدده الرسول (صلى الله عليه وسلم) فهل قام بتوعية الأمة به؟
وعلى فرض قيامه بذلك، فهل خرج هذا المنهج من بعده إلى حيز التنفيذ بشكل كامل، أم خرج بشكل جزئي، أم لم يخرج قط نتيجة الظروف والمتغيرات التي طرأت على واقع الأمة إبان وفاته؟
من ناحية أخرى فإن أهمية البحث في تلك الجذور التاريخية وفحص وقائعها البارزة تمكن في انعكاسها بشكل أو بآخر على الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي الذي امتد من خلالها عبر القرون التالية إلى اليوم.