إن الدعوة القائلة بأن نغض الطرف عن وقائع تلك الحقبة الهامة، وأن نجعل بيننا وبينها حجابا مستورا لا تخدم الحقيقة، بل لا تخدم الإسلام ذاته، حيث إن تراكمات الماضي وتداعياته لا يمكن أن تنفصل عن الواقع الحالي، إن لم تكن قد ساهمت في صياغته إلى حد بعيد.
إننا بحاجة ماسة إلى إلقاء الضوء على تلك الجذور التاريخية من أجل التوصل إلى فهم سليم وموضوعي مبني على أساس علمي لها، واستخلاص العبر والدروس منها، وتحديد نقاط الضعف والقوة فيها بالقدر الذي يعيننا على فهم الحاضر المحيط بنا، ويجعلنا قادرين على رؤية المستقبل بوعي وواقعية، وتحديد ملامحه بعين باصرة غير قاصرة.
إن الكتاب الذي بين أيدينا هو محاولة جادة من المؤلف لتسليط الضوء على تلك الحقبة التاريخية الهامة، ملتزما بقواعد البحث العلمي المتفق عليها، ومتوخيا ذات المقاصد التي أومأنا إليها آنفا، والذي لفت نظري في منهجه أنه اعتمد في دراسته على مصادر الحديث والتاريخ والتراجم المعتبرة التي تحظى بثقة أهل العلم والمعرفة قاطبة، كما أنه قام بالربط بين الأحاديث النبوية من جهة والأحداث التاريخية من جهة أخرى، بحيث يصدق بعضها بعضا، وكأن الكتاب قد جاء يحمل بين دفتيه تفسيرا نبويا للتاريخ، ولا جرم أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) قد تركنا على المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها، والتي لا يضل عنها إلا هالك، وفي اعتقادي أن ذلك لا يتحقق بوجه كامل إلا من خلال الأحاديث التي تكشف المستقبل، وترصد حركته بعين الوحي فضلا عن الوعي.
ومما يستلفت النظر - أيضا - قيام المؤلف بالفصل بين " تاريخ الإسلام " و " تاريخ المسلمين "، حيث يرى أن " تاريخ الإسلام " هو تاريخ الفطرة الأزلية التي تمثل إرادة الله في الكون، وبالنسبة للبشر فقد بدأ مطلعه بقوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا..).
وفوق الأرض قام بصنعه الأنبياء والمرسلون من لدن آدم إلى الخاتم،