بعيد. فيه دليل على أنهم ليسوا عصاة. لأن العصاة يشفع لهم. وفي هؤلاء وغيرهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مثلي كمثل رجل استوقد نارا.
فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي يقمن في النار يقعن فيها. وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها. فذلك مثلي ومثلكم. أنا آخذ بحجزكم عن النار. هلم عن النار! هلم عن النار! فتغلبوني فتقتحمون فيها (1).
إن الدعوة الخاتمة جاءت لتقيم حجتها وتذكر الناس بمخزون الفطرة وتدعوهم للتفكر في الآيات من حولهم وتسوقهم إلى الصراط المستقيم كي يتفادوا العقبات التي وضعها الشيطان ومؤسساته على الأرض وفي الأهواء. إن الشيطان دق أوتاد خيمة مهمتها عبادة السلف الصالح. ولقد سقط العديد داخل هذه الخيمة منذ فجر التاريخ وعلى هذه العبادة نشأت عبادة الأوثان. وعبادة السلف كانت سببا أساسيا في منع الباحثين والدارسين عن سلوك طريق العلم.
لقد وجد الباحثون أن السلف كان ينتقد بعضه بعضا. بل يقتل من خالفه في الرأي من معاصريه. فلما جاء الخلف رفع راية تحرم النقد ولو كان للنقد جذور في كتاب الله. وعندئذ أغلق الباحثون والدارسون على أنفسهم الأبواب. وطويت صفحات العلم والمعرفة. وجرت الفتنة فلم تصب الذين ظلموا خاصة. بل تعدتهم إلى الحاضر والمستقبل. تلقي بالتعصب الذميم وتهلك ضحاياها في كل عصر. وتشد في كل وادي آلهة جدد.
وما زال السؤال يجري: هل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه بأن يبلغ من بعده ويسوق الناس إلى صراط الله المستقيم. هل صرح الرسول باسم الخليفة من بعده؟ أم كانت هناك رموز وإيماء وكناية وتعريض.
وكان للرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك عذر لا نعلمه نحن. خشية من فساد الأمر أو إرجاف المنافقين. أم أن الرسول لم يوص ولم يصرح ولم تكن هناك رموز وإيماء. وترك أمته كي يسوقها معاوية وعمر بن العاص وبسر بن