والخطأ والكذب والشك فهو معصوم بلا كلام. فيتضح لنا أن العدالة التي وصف بها كل من أسلم وشاهد النبي (صلى الله عليه وآله) هي العصمة عن الخطأ والشك والكذب. ومما يؤكد أن معنى عدالة الصحابة هي عصمتهم عن الخطأ والشك والكذب ما قاله ابن الأثير، فهو يقول: " والصحابة يشاركون كافة الرواة... إلا في الجرح والتعديل، فإنهم عدول لا يتطرق إليهم الجرح " (1). وهكذا ينسب ابن الأثير العصمة إلى كل الصحابة بقوله: " لا يتطرق إليهم الجرح " فالذي لا يتطرق إليه الجرح، إما أن يكون فيه أسباب الجرح وهي الخطأ والشك والكذب... ورغم ذلك لا يجرح ولا يطعن فيه، وهذا ما لا يقره عاقل فضلا عن الدين الإسلامي وشرعه الذي جاء يدعو الناس للعدل والمساواة، وإما أن يكون ليس فيه من أسباب الجرح والطعن شئ قط، بمعنى أن يكون قد نفي عنه الغلط والشك والكذب حقيقة، فهو المعصوم. فهذا ما حواه معنى كلام أبي حاتم الرازي، سواء قصد هذا أو لم يقصده. ومن المستبعد أن يكون غير مقصود منه، لأن قول الصحابي لهذا السبب صار من مصادر التشريع الأساسية.
وبعد هذا التحليل والشرح الوجيز، نفهم بكل وضوح أن الصحبة التي نالها البعض بالرؤية فقط لا بالملازمة اللصيقة ولا بالانقياد التام والطاعة الحقة للنبي (صلى الله عليه وآله) ولا بالأخذ الصحيح منه الذي سيؤدي إلى العلم اليقيني بالشئ الباعث لإرث الأنبياء " العلماء ورثة الأنبياء ".
أقول: هذا النوع من الصحبة استوجب هذه العصمة وتلك العدالة التي لا تتوفر إلا في نبي مرسل أو إمام منصوص عليه. على أن الذين منحوا كل من أسلم وشاهد النبي (صلى الله عليه وآله) بلا استثناء هذا النوع من الصحبة المقرون بالعدالة المستوجبة للعصمة قد اعتمدوا كما أسلفنا على أحاديث هي في حقيقة الأمر واهية وضعيفة لم تسلم هي نفسها من الجرح والقدح فضلا عن إعطائها العصمة بالدلالة على من لا يستحقها، فإلى تفصيل البحث حول هذه الأحاديث ومدى دلالتها على عدالة الصحابة كافة.