وإظهار حقه، فرضيهم له صحابة وجعلهم لنا أعلاما وقدوة، فحفظوا عنه (ص) ما بلغهم عن الله عز وجل وما سن وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى، وحظر وأدب، ووعوه وأتقنوه، ففقهوا في الدين، وعلموا أمر الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله (ص) ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله وتلقفهم منه واستنباطهم عنه، فشرفهم الله بما من عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة، فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والفخر واللمز، وسماهم عدول الأمة " (1).
بيد أن الغزالي يرد جميع المذاهب التي رأت القول بعصمة الصحابة وحجية قولها، فيقول: " قد ذهب قوم إلى أن مذهب الصحابي حجة مطلقا، وقوم إلى أنه حجة إن خالف القياس، وقوم إلى أن الحجة في قول أبي بكر وعمر خاصة لقوله: اقتدوا بالذين من بعدي، وقوم إلى أن الحجة في قول الخلفاء الراشدين إذا اتفقوا. والكل باطل عندنا " (2)، فيكون الإمام الغزالي بهذا قد رمى بعصمة الصحابة وحجية أقوالهم في مزبلة الباطل.
على أن انشعاب القوم في مسألة حجية قول الصحابة وذهابهم تلك المذاهب يدل بوضوح على أن عدالة الصحابة بأجمعهم أمر فيه اضطراب أدى إلى هذا التقسيم، إذ ليس من بينها مذهب يمكن الاعتماد عليه، لأن واقع الصحابة من حيث الوقوع في الخطأ والاختلاف يبطل تلك المذاهب والنصوص التي اعتمدوا عليها من السنة في حجية الصحابة كافة.
إن الذين ذهبوا إلى أن مذهب الصحابي حجة مطلقا لا شك أنهم واقعون في التناقض الذي يوجب تأييد رأي ضد رأي أو رد كلا الرأيين. وهذا التضارب إما من حيث اختلاف الصحابة فيما بينهم، أو من حيث اختلاف أقوال الصحابي نفسه، أو من حيث مخالفة أقوالهم أحيانا للقرآن والسنة.
أما قول البعض بأنه حجة إذا خالف القياس فمفهومه أنه ليس حجة إذا خالف القرآن والسنة، لأنهما مقدمان على القياس بلا خلاف.