أما قول البعض بأن الحجة في قول أبي بكر وعمر خاصة، فهم مطالبون بتوضيح ما صدر منهما من أفعال خالفت القرآن والسنة النبوية. ثم إنه كيف يكون الحال إذا خالف قول الصحابي قياس صحابي آخر، وأي القولين عندئذ أولى بالترجيح؟
وأما حجية أقوال الخلفاء الراشدين إذا اتفقوا، فهذا شرط يفهم منه عدم حجية رأي أحدهم منفردا أو إذا خالفه الآخرون منهم. وتأييد رأي أحدهم ضد رأي الآخر يقتضي نسبة الخطأ للآخر، إذ لا يمكن أن يصح الرأيان مع الاختلاف بينهما، فأين انتفاء الخطأ عن كل الصحابة؟!
أما الأحاديث التي اعتمدوا عليها في منح العدالة لكافة الصحابة، فمنها حديث الاقتداء الذي نصه: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ". ومنها حديث الخلفاء الراشدين الذي نصه: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ".
ومنها حديث الاقتداء بالذين... ونصه: " اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر ".
وسنبحث هذه الأحاديث ونورد أمثلة تبين خطأ المعتمدين عليها في فرض حجية كافة الصحابة أو الأربعة منهم أو أبي بكر وعمر. وسنحصر البحث في مطابقة متون هذه الأحاديث لواقع الصحابة، وهذا وحده كفيل ببيان حقيقة وضع هذه الأحاديث، وخطأ نسبتها إلى النبي (صلى الله عليه وآله). على أن هذه الأحاديث من حيث السند ساقطة أيضا، وهذا ثابت في مظانه.
ومن هذا يتضح أن معنى العدالة التي صارت سمة عامة لكافة الصحابة هي العصمة تماما، فمن ناحية قوله: " فحفظوا عنه (ص) ما بلغهم عن الله عز وجل ومن سن وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدب، ووعوه فأتقنوه، ففقهوا في الدين وعلموا أمر الله " ينضاف إليهم إلى جانب الصحبة صفة العلم، فالصحابة على هذا القول كلهم من العلماء الذين فقهوا في الدين وعلموا أمر الله وأحكامه ونواهيه بوعي وإتقان دون شائبة. والحال ليس كذلك، لأن الوقوع في الخطأ سببه الجهل.
ومن ناحية قوله: " فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والفخر واللمز " ينضاف إليهم صفة العدالة، وهي بهذا المعنى لا يفهم منها إلا العصمة، لأن الذي نفي عنه الغلط