لا تستحسن من أحد صحابيا كان أو تابعيا أو من سائر الناس، ذلك لأن هذا الدين فوق الجميع ولا يعرف فضيلة لأحد على الآخر إلا بمقدار تمسكه بالدين وبمقدار ما يتصف به من تقوى. وإثبات مخالفة البعض للشرع يكفي في إبطال حديث الاقتداء بجملة الصحابة، وبالتالي سنعلم أن الصحابة بعضهم يستحق أن يكون قدوة لالتزامه جانب الشرع واقتفاء أثر النبي (صلى لله عليه وآله) واتباعه في أفعاله دون تغيير لها أو تبديل، وبعضهم لا يستحق أن يكون أسوة يقتفي آثاره غيره، لمخالفته النبي (صلى الله عليه وآله) في آثاره. وفي الواقع لا يملك الإنسان إلا التعجب من أولئك الذين ينسبون العدالة والوثاقة لكل الصحابة، ويغضون أبصارهم عما نقل عن بعضهم من آثام وأخطاء في الدين.
يقول الشيخ التفتازاني: " ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التاريخ والمذكور على ألسنة الثقاة يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرئاسة والميل إلى اللذات والشهوات، إذ ليس كل صحابي معصوما ولا كل من لقي النبي (ص) بالخير موسوما " (1). فانظر إلى سلامة هذا القول وصراحته في تأييد ما ذهبنا إليه في نقض عدالة بعض الصحابة، وهو الحق بلا ريب.
إن فرض القول بعدالة كافة الصحابة، هو في الواقع كتم للأنفاس وتسلط على الدين وفرض للآراء ورد لنظر القرآن في بعض الصحابة. وخلاصة القول فهو مسلك لا ينتهي سالكوه إلا إلى الحيرة والاختلاف والتخبط في الدين. والذين يصححون أخطاء الصحابة قد أخطأوا في معرفة مقياس صحة الأعمال، واختلط عليهم ذلك الأمر، هذا مع إحسان الظن بهم وإلا فهم قد خضعوا لسلطان السياسة والعصبية، فهم بتصحيح أخطاء الصحابة يسعون إلى الضغط على الشرع ليتقبل هذه الأخطاء ويعطيها مكانا عنده بعد طلائها بطلاء الشرع لتصبح بذلك مصدرا للتشريع. لقد غفل هؤلاء عن أن الشرع هو الذي يجب أن يكون المقياس في صحة أو بطلان أعمال الناس سواء كانوا صحابة أو غير صحابة، وهذا واضح جدا، فكلما اصطدموا بخطأ صدر من أحد الصحابة يخالف به أحكام الدين