قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم " (1).
إن المتدبر في هذا الحديث يستيقن أن كثيرا من الذين وصفوا بالصحابة ومنحوا هذه العدالة ارتدوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله) القهقرى. وبالتأكيد لم يكن هؤلاء منافقين، لأن الارتداد يكون بعد إيمان، والمنافقون لم يكن لهم إيمان حتى يرتدوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إذ أنهم لم يؤمنوا حتى في زمان النبي (صلى الله عليه وآله). ثم إنهم لا يجب أن يقال هم الذين ارتدوا في أواخر حياة النبي (صلى الله عليه وآله)، ذلك لأن المرتدين في زمانه لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) يجهل ردتهم حتى يأتي ويقول عندما يراهم قد حيل بينهم وبينه وأخذوا إلى النار: أين؟ فيقال له: إلى النار والله، فيقول النبي (صلى الله عليه وآله): ما شأنهم؟.. فهو لم يعلم ماذا فعلوا في حين أنه كان يعلم بالمرتدين في حياته. ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " فلا أرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم "، وهذه إشارة إلى كثرتهم وقلة الناجين منهم حتى وصفهم بهمل النعم، أي الإبل القليلة التي تنفصل عن القطيع، في حين أن المرتدين في زمانه لا يزيدون على عدد الأصابع.
نخلص من هذا إلى أن من بين الصحابة - وكثير ما هم - قد ارتدوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله). ولا أحد يعلم من هم، وبالتالي لا يستطيع أن يصرف عنهم العدالة لثبوت الصحبة لهم. فهذه معضلة بلا شك يبطل على إثرها حديث " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ".
وفي رواية: يقول النبي (صلى الله عليه وآله): " ليردن علي أناس من أصحابي الحوض، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي! فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك " (2).
إذا فلا بد أن نصرف النظر عن اعتبار الصحبة معيارا للعدالة وسببا للاقتداء والهداية، وإلا فسنقع في شراك أولئك المرتدين الذين منعوا ورود الحوض وأخذوا إلى النار، مع العلم أنهم ليسوا معروفين وقد شملتهم الصحبة التي فرض أنها موجبة للعدالة.
فالإنسان طالما هو المسؤول وحده عن أعماله وأفعاله، وهو الذي يواجه بنفسه مصيره في اليوم الآخر، فلا بد أن يحرص على أن يأخذ أمور دينه ممن عرفت عدالته بالدليل