عنها كشحا، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه.. فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهبا... " (1).
ومعنى هذا كله أن حادثة الظلم الذي أقر بوقوعه الفاروق في حق الإمام علي هي حقيقة تاريخية لا تخلو منها مدونات التاريخ، واعترف بها شهود العيان اعترافهم بالمسلمات. ومنها ما ضمنه معاوية بن أبي سفيان رده على خطاب محمد بن أبي بكر الصديق مشيرا إلى ذلك الظلم بشكل أوضح، يكشف ثقل الظلم الذي وقع على أمير المؤمنين، بحيث اعترف به عمر بن الخطاب، لأن وقوعه ليس من قبيل ما ينكر أو يخفى.
كتب محمد بن أبي بكر رضي الله عنه خطابا إلى معاوية، يردعه على تطاوله على أمير المؤمنين علي عليه السلام، ويبين فيه شأن الإمام ورفعة مقامه.. يقول فيه:
" من محمد بن أبي بكر، إلى الغاوي معاوية بن صخر.
سلام على أهل طاعة الله، ممن هو سلم لأهل ولاية الله.
أما بعد:
فإن الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته، خلق خلقه بلا عبث منه ولا ضعف في قوته، ولا حاجة به إلى خلقهم، لكنه خلقهم عبيدا وجعل منهم غويا ورشيدا، وشقيا وسعيدا. ثم اختار، على علم، فاصطفى وانتخب منهم محمدا (ص)، فاختصه برسالته، واختاره لوحيه، وائتمنه على أمره، وبعثه رسولا ومبشرا ونذيرا، مصدقا لما بين يديه من الكتب، ودليلا على الشرائع، فدعا إلى سبيل أمره بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان أول من أجاب وأناب وآمن وصدق وسلم: أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب (عليه السلام). صدقه بالغيب المكتوم، وآثره على كل حميم، ووقاه بنفسه من كل هول، وواساه بنفسه في كل خوف، و حارب حربه وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل ومقامات الروع، حتى برز سابقا لا نظير له في جهاده، ولا