والبياض كان خائفا من اجتماع أمته على الضلال. والذي يليق بعمر أن يفهم من الحديث ما يتبادر منه [إلى] الأذهان، لا ما تنفيه صحاح السنة ومحكمات القرآن على أن استياء النبي (ص) منهم المستفاد من قوله: [قوموا] دليل على أن الذي تركوه كان من الواجب عليهم. ولو كانت معارضة عمر عن اشتباه منه في فهم الحديث - كما زعموا - لأزال النبي (ص) شبهته، وأبان لهم مراده منه، بل لو كان في وسع النبي [صلى الله عليه وآله] أن يقنعهم بما أمرهم به لما آثر إخراجهم عنه. وبكاء ابن عباس وجزعه من أكبر الأدلة على ما نقول.
والإنصاف أن هذه الرزية لمما يضيق عنها نطاق العذر، لو كانت - كما ذكرتم - قضية في واقعة، كفلتة سبقت، وفرطة ندرت.. لهان الأمر، وإن كانت بمجردها بائقة الدهر وفاقرة الظهر..
والحق أن المعارضين إنما كانوا ممن يرون جواز الاجتهاد في مقابل النص، فهم في هذه المعارضة وأمثالها إذا مجتهدون، فلهم رأيهم، ولله تعالى رأيه " (1).
فهذه كانت رزية يوم الخميس التي وقف فيها عمر أمام أمر النبي صلى الله عليه وآله أصلب وقفة، ولم يترك أمر النبي صلى الله عليه وآله ليخرج إلى حيز التنفيذ. ورأيت كيف اعتذر المعتذرون عن ابن الخطاب فيما فعل، وشاهدت مصارع تلك الاعتذارات الواهية. على أنه هناك ثلاث مسائل تكفي واحدة منها لمنع عمر عن الاعتراض على النبي صلى الله عليه وآله:
أولا: علم النبي الكريم، إذ أنه علم إلهي لا يرقى إليه عمر بأي حال من الأحوال، لا سيما في مجال الدين وفي طريقة بيانه للناس وتبليغه لهم، فلا عمر له رشح من علم النبي الكريم، ولا هو أعرف منه بطريقة تبليغ دين الله حتى يعارض هذه المعارضة، وكأنه يصر على أن الحق معه والباطل مع رسول الله الكريم!
ثانيا: تلك العصمة التي يتمتع بها النبي صلى الله عليه وآله، إذ أنها مانعة بلا ريب من أن يقوم النبي صلى الله عليه وآله بعمل يقع به موقع الطعن والرد والاعتراض من جانب عمر ومن لف لفه، ولا سيما في مجال تبليغ الوحي وهداية الناس.
ولذا ما إن نرى أحدا عارض النبي صلى الله عليه وآله في مسألة من المسائل فلا بد أن نحكم .